البؤس العاطفي على شبكات التواصل الاجتماعي

Views: 637

باريس-نزهة عزيزي

 

لما تناولت موضوع البؤس العاطفي اول مرة كتبت عنه مقالا بالفرنسية نشر في جريدة “الاعترافات الجديدة” سنة 2005 في الجزائرعنونته “البؤس العاطفي”. وقتها لم يكن الانترنت متاحًا في كل البيوت وكانت ظاهرة مقاهي الانترنت قد انتشرت في المدن الجزائرية، وكنت  أرتاد إحداها عندما لم تكن خدمات الاشتراك قد عرفت طريقها إلى البيت الجزائري كما هي اليوم. 

 إن تبيّن الحقائق والاطلاع على ما يحدث في العالم من دون رقابة من خلال الإنترنت جعل من العالم قرية صغيرة ونسف رقابة الدول للمعلومات. لكن الظاهرة التي أثارت انتباهي آنذاك هي الظاهرة نفسها اليوم والتي استفحلت اليوم على الموبايلات التي خلقت نوعًا جديدًا من الادمان، ألا وهو إدمان الانترنت أو مواقع التواصل الاجتماعي  والتوافد الشديد على الانترنت من أجل البحث عن الحب وعن إقامة علاقة  خيالية مع شخص خلف شاشة الكومبيوتر. 

هذا الجوع الواضح للحب والحنان تقابلة وضعية اقتصادية صعبة يعيشها معظم الشباب العربي، تدني مستويات الدخل الفردي ، أزمة السكن، البطالة وارتفاع نسبة العنوسة عند النساء. والسؤال الذي يطرح نفسه: ما مدى جدية العلاقات على المواقع الخاصة بالزواج أو الخاصة بالبحث عن الشريك ومامدى نجاحها؟

 بحثت عن أحدث الدراسات التي تناولت مدى مصداقية هذه المواقع ونجاحها، فوجدت أن موقع “مسلمة” يحتل الصدارة في المواقع الجادة في البحث عن الزوجة المسلمة كما يحمله إسم الموقع. أ

عترف أن المواقع كثيرة والبحث عن الشريك في هذا الزخم من المواقع في حد ذاته صعوبة، لان الصدق في الاعلانات ليس دائما عملة التعامل على هذه المواقع. 

 

ظاهرة العلاقات الخيالية

يحلل علم النفس ظاهرة تعاطي العلاقات الخيالية التي يمكن أن تتحول إلى علاقات واقعية احيانا، إلى عدم قدرة الشخص على التعامل الفعلي الواقعي مع الجنس الآخر. لذلك التسجيل بأسماء مستعارة وبيانات من نسج الخيال هي ما يميز أغلبية الاعلانات، ولأنها تخفي ظاهرة العجز في حد ذاته.  

إن البؤس العاطفي ليس حكرا على العالم العربي بل هو ظاهرة عالمية، والدليل كل المواقع الموجودة في الانترنت التي تستثمر في هذا المجال والتي تجني من خلاله أموالا طائلة.

 البحث عن الشريك أصبح اليوم يشكل مجال استثمار وتجارة كبيرين تتبناه شركات عالمية وترعاه ، وهذا الواقع   يطرح السؤال نفسه: هل السبب هو تطور الانترنت أم عجز الأفراد عن إقامة علاقات واقعية؟ 

الاجابات متعددة…

 البعض يرجع الأمر الى تطور وسائل الاتصال ولا يرى مانعا أن تتزوج كندية في تورونتو برجل من السنغال، بل يراه البعض انفتاحا مبهرًا على ثقافة الآخر وتقبله، بينما تعكس بعض التجارب المأسوية لنساء اوروبيات تعرضن لعمليات سطو وسرقة بإسم الحب ويسميهم المشرع الفرنسي “قناصي الحب”، حيث تعرضت عدة  نساء للابتزاز ماليًا، ناهيك عن الفضيحة وصعوبة ملاحقة الجناة في القارات الخمس، لان القوانين في ما يخص الملاحقات خارج فرنسا غير كافية للقبض على المجرمين خارج الحدود الفرنسية.

 

خطورة العلاقات الخيالية

وهنا تظهر لنا جليا خطورة العلاقات الخيالية التي يحبكها مجرمون يجلسون خلف الشاشة ويستغلون نساء ساذجات كن يبحثن فقط عن شيء من العاطفة أو الحب، ولا تعتبر النساء فقط ضحايا الجرائم على الانترنت في العالم، فالرجال ايضا معرضون لهذا النوع من الابتزاز. شاهدت مؤخرا فيلما وثائقيا عن كم هائل من الفرنسيين الذين يلجأون الى وكالات الزواج في اوروبا الشرقية، حيث تمتاز نساء اوروبا الشرقية بالجمال الصارخ وبأنهن نساء من السهل إرضائهن، ليس كالفرنسيات المتحررات من سيطرة الرجال، فالمرأة الروسية تبحث عن زوج تخدمه وخصوصا زوج يؤمن لها حياة تغنيها عن الحاجة، خصوصا بعد تردي الأوضاع الاقتصادية في روسيا، حيث نسبة وفيات الرجال (نتيجة ادمان الكحول) من أعلى النسب في العالم. هنا ايضا لم يؤمن بعض الفرنسيين في الوقوع في شباك مافيا ستفرغ لاحقا حساباتهم. 

في المقابل، ما هو واقع هذه العلاقات في عالمنا العربي؟

 لا اعتقد شخصيا أن اللوحة كلها سوداء، لكن اذا انطلقنا من مبدأ صدق الأشخاص في التعامل، فمن الممكن أن تنجح أي علاقة خارج أو داخل الانترنت، والدليل أن هناك عدة علاقات بدأت على الانترنت وانتهت بعقد القران، لكن انا أتحدث عن الكم الهائل من العلاقات التي انتهت بالفشل لأنها بنيت على قصور من الاكاذيب. لذلك، لما تدخل على مواقع الزواج العربية، فأول ما يلفتك في اعلانات النساء هو غياب الصورة أو عدم وضوح الإعلان، الأمر الذي يؤكد أن تعامل المرأة العربية مع  هذه المواقع يخضع لتابوهات كثيرة، منها  الخوف من رقابة الأقارب أو المحيط رغم أنها من الحقوق الشرعية التي تتمتع بها أي امرأة، وهي حق اختيار الشريك والبحث عنه. 

 

مسألة وعي

أما بالنسبة إلى الرجال، فكثير من بروفايلاتهم غير واضحة، خصوصا في مايخص بيانات العمل، وتجد أن معظم اعلاناتهم تركز على جمال المرأة، وهنا الخلل، لأن المرأة ليست جسدًا فحسب، وهذه النظرة الدونية إليها هي سبب تردي العلاقات، ومن هنا ايضًا يمكننا أن نضع اصبعنا على مربط الفرس، التي طرفاها غير متوازنين ولا يملكان نفس سلم المعايير، مما ينعكس سلبا على هذه العلاقات الفاشلة.

 اظن أن المسألة مسألة وعي بالدرجة الأولى وإحترام ثانيا وتقبل الآخر من دون تكبيله بأحكام مسبقة. لقد ذهبت بعض الوكالات الخاصة بالزواج في فرنسا والتي تتمتع برواج ونجاح كبيرين في أوساط اجتماعية راقية الى إختيار البروفايلات على حساب متطلبات الشخص وإمكانياته المالية، وتجد الكثير من النساء والرجال يلجأون إلى هذه الوكالات لأن إيقاع حياتهم ومتطلباتها لا يسمحان لهم بقضاء وقت طويل خلف موبايلاتهم.

 وتقدم هذه الوكالات ازواجًا وزوجات بعد دراسة جادة لبروفايلاتهم وميولهم وصفات الشريك التي يبحثون عنها مقابل أسعار خيالية، وقد اذهلني أول مرة المبلغ الذي تطلبه هذه الوكالات مقابل خدماتها، لكن لما فكّرت جليا في الموضوع وجدت عمل الخاطبة في مجتمعاتنا العربية تطور وأصبح يمارس بإحترافية كبيرة في المجتمع الغربي، ولما لا في مجتمعنا العربي اذا توفرت الشروط؟.

 والمبادرة تبقى مفتوحة، بشرط أن يتخلى الرجل عن ذكورته قليلا ويرى في المبادرة عدم انتقاص من رجولته، كما لا ينقص ذلك من قدر المرأة ولا يقلل من شأنها.

***

(*) نزهة عزيزي شاعرة وإعلامية جزائرية، مقيمة في فرنسا

Comments: 3

Your email address will not be published. Required fields are marked with *

  1. مقال شامل وفيت وكفيت ولامست الجرح الذي تعاني منه المجتمعات خاصة المجتمع العربي الذي أصبح شغفه الوحيد ليل نهار البحث عن العلاقات بمختلف الطرق و الوساءل في خضم كم هائل من الأكاذيب واستغلال عاطفة المرأة واحتياجاتها و صدقها ، فعلا نعاني من مشكل عويص يتكاثر يوما بعد يوم ولا أرى حلا له إذ أن العقلية السائدة لا تكمن في الفكر والعقل بل في مكان آخر عند الرجال خاصة

  2. اشكر الكاتبة على هذا الموضوع الذي تطرقت من خلاله إلى ظاهرة اصبحت متفشية في مجتمعنا لا سيما في مواقع التواصل الإجتماعي وتطبيقات المحادثة الفورية على غرار messenger، Skype وغيرها من التطبيقات ، حيث أصبح كل شيء مباح. فكثير من فتياتنا تعرضن للابتزاز من أجل صورة “فاضحة” أرسلت إلى حبيب من أجل ارضائه طمعا بالزواج منه، أو شباب بعثوا مبالغ مالية إلى حبيبة هي في الأصل متزوجة ووجدت في العالم الافتراضي ضالتها. اصبحت مواقع الانترنت اليوم تعج بالفضائح وضالة كل مفترس بالظفر بفريسة.. النت عرى المجتمع العربي

  3. موضوع الساعة /استاذتنا الغالية نزهة تحياتي الخالصة إليك و عيد ميلاد سعيد و عمر مديد و كل سنة و أنت في أحسن الأحوال و مبدعة من الطراز العالي ..لقد أحسنت الإختيار في تناولك هذا الموضوع الحساس..المهم ان يتحلى شبابنا بالوعى الكافي لتفادي الوقوع في المحظور بشتى انواعه، لان العالم الإفتراضى سلاح ذو حدين.. و الاجدر هو العودة إلى الطرق المثلى و الكلاسيكية في قصد الإرتباط الحميمي من اجل مشروع بناء عائلة مسلمة كانت او غير مسلمة..حيث خلف كل شاشة قد توجد عقليات مختلفة …منها الجدية و الغير الجدية..