13 نيسان والبابا

Views: 264

خليل الخوري 

إستمعتُ إلى عظة قداسة البابا فرنسيس الأول في عيد القيامة المجيدة عشية الثالث عشر من نيسان الذي حلّ يوم أمس لنستذكر تلك المرحلة السوداء من تاريخ لبنان إذ أخذَ الإنسانُ إجازةً طويلة، ليفلِتَ الوحشُ الكامنُ في النفوس، فتسودُ شريعة الغاب على حساب شريعة الله والإنسان، وليتحكّم الفلتان بالناس في أدقّ تفاصيل حياتهم، فيفرض الزعران عليهم مشيئتهم وإجرامهم وتجاوزاتهم وارتكاباتهم… بما فيها القتل على الهوية، والقصف العشوائي، وخطف الناس، وسحلُهم، والتمثيلُ في الجثث أحياناً.

إنتهت حربُ السنتين التي تناسَلت حروباً طوال خمسة عشرَ عاماً، ولـمّا تنتهِ مفاعيلها وتداعياتها بعد…

سقط لبنان الذي كان لؤلؤة المنطقة… ويمكن الإسهاب في هذه النقطة إلى أبعد الحدود.

لم تسقط وحدة الوطن في القوانين والأنظمة والدساتير ولكنّها سقطت من أسف في النفوس المريضة والممارسات.

تجذّرت الطائفية ونبتت في جوارها المذهبيّة التي تتجلّى في مشاريع الفتنة.

خلافاً للمبادئ والأصول والقوانين والأعراف، أسفَرت التسوية، بعد الحرب، عن تحكّم الميليشيات بالبلاد والعِباد. كانوا يحكمون بقوّة السلاح والعنف والإرتكابات، فباتوا يتحكّمون بإسم القانون. وهذه بدعةٌ غير مسبوقةٍ في أيّ بلدٍ آخر. فالذين يصنعون الحرب لا يصنعون السلام. ولذلك لا تُسنَدُ إليهم مهام إدارة الدول بعد وقف القتال وانتهاء الحروب. عندنا حصَل ذلك، فتمكّنت الميليشيات بعد أن أُسنِدت إليها المقاليد، أن تُسقِطَ في السلم المهزوز ما لم تكن قد أسقطته بعد من لبنان.

تنتهي الحروب، عموماً، بـ«جردةٍ» تُـحدد بالتفاصيل والأسماء والأرقام والوقائع كلّ شيء عن مرحلة القتال ليأتي السلام شاملاً نهائياً حاسماً على قاعدة تبادل الغفران. ولم يكن هذا في لبنان. لذلك نرانا عاجزين عن إنتاج سلام حقيقي، ولذلك أيضاً «نجحوا» في تدمير صورة لبنان المُشرِقة وإسقاط إزدهاره وفرادته وريادته.

باختصار، لم يكتفِ «أبطال» حرب 13 نيسان وسُلالاتها بسرقة لبنان وإستبداله بهذا النموذج المشوَّه، فسرقوا أيضاً البسمة عن وجوه اللبنانيين، واختطفوا السعادة منهم، فلم يبقَ أمامنا سوى الصوم والصلاة والتبصُّر في قول قداسة البابا فرنسيس الذي أشرتُ إليه في مطلع هذه العجالة:

«تذكروا أن السعادة لا تكونُ بالحصولِ على سماءٍ من دونِ رعود، وطريقٍ من دون حوادث، وعملٍ من دون تعب… إنما السعادةُ هي بإيجاد القوّة في الغفران والأمل في المشاكل والإيمان في أوقات الخوف والحبّ في الخِلاف، وليسَ فقط في مذاق البسمة، إنما أيضاً التفكير في التعاسة. وليس فقط بالإحتفال في النجاح ولكن بالإعتبار من الرسوب …».

ونحنُ، منذ 13 نيسان 1975 وحتى اليوم، في حاجة إلى تلك كُلّها.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *