عقمٌ وطنيٌّ وسياسيٌّ

Views: 252

خليل الخوري 

 

مهما كانت النصائح العربية والدولية صافية وصادقة، فإنها لا توصِل إلى نتيجة، فالقوم، عندنا، يستمعون ولا يُبادرون إلى أيّ حلّ. في الأساس إنّ تشكيل الحكومة هو شأن داخلي وهكذا يجب أن يكون. ولكن ما يوجِع أنّ الأطراف الداخلية أكثر عجزاً من أن تخرج عن الأطر التي تموضَع كلّ منها فيها، فباتَ أسير طروحاته. وبدلاً من أن تكون المرونة والحوار وحسن النية سبيلاً إلى التوجّه للعمل على حلحلة المشاكل، والتغلّب على الصعوبات، وتجاوز العقبات، هيمن العناد والتمسّك بالمواقف ولو أدّت بأصحابها، وبالبلاد والعباد، إلى القوقعة ضمن شرنقة خانقة يكاد الخروج منها أن يبدو مستحيلاً.

ما زلنا نؤمن بأنّ الحلول يأتي بها الكبار… أما المراوحة في العقد، بل وتعقيدها أكثر وأكثر، فهما دليل على العجز وشهادة عقمٍ في الفكر السياسي.

بلدان العالم كلّها تواجه أزمات. وها هي الدولة الأكبر، ذات القوّة الأعظم، الولايات المتحدة الأميركية، مرّت قبل أسابيع في محنة تهدَّدت دستورها وحتى وحدتها، ولامست أعتاب الحرب الأهلية، ولكنّها إنتهت بالليونة وتسجيل خطوات بُنيَت على تقديم مصلحة البلد على مصلحة الأشخاص أيّاً كانت مواقعهم ومهما ارتفعت مقاماتهم وعلت هاماتهم.

لقد بات ثابتاً لدينا أنّ الفكر السياسي، في لبنان، الذي وصفناه بالعقيم، تحوّل إلى عبءٍ على الوطن فيما كان يجب أن يكون حلّالَ عقد، فارزاً المرونة، قادراً على ابتكار أدوات تُمهّد الطريق أمام المسارات التي هي كلّها، حالياً، مكرسحة في المجالات كافةً، من أصغر موقف وقرار إلى أخطر موقف ومرسوم، كمثل «الكربجة» التي أُصيبَت بها مراسيم تأليف الحكومة.

لم يعرف لبنان مثل هذا الفكر الفارغ في السياسة عموماً، كما يعرفه اليوم. ولم يسبق أن كان المعنيّون والقادة والسياسيّون الكبار بعيدين عن المرونة واللياقة والكياسة والقدرة على ابتكار الحلول، كما هم اليوم. حتّى في المراحل الصعبة وأكثرها دقّة وخطورة، كان ينبري من يطلع بفكرة لتكون قادرة على حدّ من الإختراق.

إنه زمنٌ صعب. ولكنّه زمنُ غياب الكبار الكبار الذين لديهم من الخبرة والحنكة والمِراس والإدراك ما كان يجعلهم يخلقون من الضعف قوّةً ومن العقم خصوبةً ومن الجمود حركةً فيها بركة، فيفتحون كوّة نورٍ في النفق المظلم.

فماذا دهانا، بل ما هو ذنبنا، حتى كُتب علينا أن نُبتلى بهذا الجيل السياسي الهجين، ونحن الذين عايشنا أولئك الكبار عن كثب وتعلّمنا منهم الكثير من الإلتزام بمصلحة وطنٍ كان زينة الأوطان؟!.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *