فتضحكُ الأقدارُ

Views: 309

خليل الخوري 

هل صحيح أنّ الرياح تجري دائماً بما لا تشتهي السفنُ؟ الملّاحُ الماهرُ يرصدُ أحوال الطبيعة وأجواءها وأنواءها، فيقرر ما إذا كان سيمخر عِبابَ البحر أم أنه سيتردّد، خصوصاً في زمن العلم والمعرفة قبل الإقدام على خطوةٍ ما متروكةٍ للحظ. وما زالَ أهل الفلسفة وبعض الأديان على خلافٍ جوهري فيما إذا كان هناك حظٌ أو أنها مصادفات.

ولا شكّ في أن القدريّين يؤمنون بالحظ أكثر من الذين يخالفونهم الرأي. فحياة الأوّلين، بكلّ ما تحفَل أو لا تحفَل به، إنما هي قسمةٌ مرسومةٌ سلفاً… وتلك كلّها مدار نقاش لا نهاية له حتى الآن، ولن تكون له نهايةٌ ما دام الإنسان موجوداً على الأرض.

إذا تعرّض شخصٌ خلال مروره في مكان ما، لرصاصة طائشة أو أيّ ويلٍ كان، فلو تقدّم أو تأخر بضع ثوانٍ لما تعرّض للإصابة. في حال هذا الشخص يقول الغربيّون: لقد تواجد في المكان الخطأ في الزمان الخطأ. والذين يقولون بالحظ لا يُنكرون الخطأ في المكان والخطأ في الزمان، وهذا ما يُفسّرونه بالحظ. فالمسافر الذي يتأخّر، لأسباب خارجة عن إرادته، عن موعد إقلاع الطائرة التي انطلقت من دونه ثمّ تعرّضت لكارثة، هو من أصحاب الحظوظ الجيّدة. والمسافر الآخر الذي كان على لائحة الإنتظار واستقلّ الطائرة ذاتها بديلاً للراكب المتخلّف هو عاثرُ الحظ…

وقلّ ما وُجد إنسان عاقل لا يملك عشرات الأمثلة والروايات عن الحظ بما حدث معه أو مع أقرباء ومعارف، أو بما تناهى إليه عبر الآخرين.

وكما أسلفنا، فقد شغل الحظ الفلاسفة وعلماء بعض الأديان منذ نشأة العقل البشري وحتى اليوم. ما جعل النظرة إلى الحظ تتحكّم بمفاصل الحياة البشرية كلها تقريباً. ولقد ركّز المفكرون والشعراء العرب كثيراً على الحظ إقراراً به في وجهَيه أي حسن الطالع أو سوئه. فيلسوف المعرّة، أبو العلاء، قال:

«يجالدُ محرومٌ على الأمرِ فاتَهُ وأحرزهُ بالجَدّ من لم يُجالدِ

سمّيتَ نجلَكَ مسعوداً وصادفَهُ ريبُ الزمانِ فأمسى غير مسعودِ»

و«الجدّ» في البيت الأوّل هو الحظ. وقال في موقع آخر:

«ولا تطلبنّ بغير الحظ رُتبةً / قلمُ الأديبِ بغير الحظ مِغزلُ»

ويقول الإمامُ عليّ بن أبي طالب عليه السلام:

«فلو كانت الدنيا تُنالُ بفطنةٍ / وفضلٍ وعقلٍ نلتَ أعلى المراتبِ

لكنّما الأرزاقُ حظٌ وقسمةٌ / بفضلِ مليكٍ لا بحيلةِ طالب»

قال إدريس جمّاع الشاعر السوداني يندبُ حظّه:

«إنّ حظي كدقيقٍ فوق شوكٍ نثروهُ / ثمّ قالوا لحُفاةٍ يومَ ريحٍ: إجمعوهُ»

ولا يزال ديوان الشعر العربي يحفظُ بيتاً يُجمعون على أنه أبلغ ما قيلَ في الحظ وهو: «إن أقبَلت باضَ الحمامُ على الوتدِ / وإن أدبَرت بالَ الحمارُ على الأسدِ» مع أنّ في هذا البيت تمييزاً نراهُ مرفوضاً كونه لمصلحة الأسد على حساب الحمار هذا الحيوان الأليف الذي كلّه فائدة للإنسان في صبره وقدرته على الإحتمال.

ويقول نفطويه (إبراهيم بن محمد الأزدي): «الجَدُّ (أي الحظ) أنفعُ من عقلٍ وتأديبِ».

وامتداحُ الحظ لا يقف عند القسمة والنصيب بل يراه البعض ستّار العيوب على حدّ قول عبدالعزيز بن زرارة الكلابيّ:

«رأيتُ الحظ يسترُ كلَّ عيبٍ / وهيهات الحظوظ من العقولِ»

مع دعائنا بحظ أكبر للبشرية جمعاء بإنحسار فيروس كورونا. ولكنه هل ينحسر بضربة حظّ أو بضربة علم وجهد وأبحاث تؤدي إلى اكتشاف اللقاح للوقاية منه والعقار لمعالجته؟

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *