“البريستول” بعد “الحقوق” و”النهار” و”الأوريان” و”مقاهي الثقافة”

Views: 1460

حبيب شلوق

كل شيء كان متوقعاً إلا أن يقفل فندق “البريستول” أبوابه ليس لتعثر مادي ـــ حسب مطلعين، فأصحابه من رجال الأعمال الكبار. والجماعة كما كل اللبنانيين باتت في “قرف” وفقد ثقة بوطن الــ”كم أرزة العاجقين الكون”.

إدارة “البريستول” أصدرت قبل أيام قراراً بإقفال الفندق المتربـّع على أحدى كتفي شارع الحمراء في شارع مدام كوري ــ فردان. وعزت مصادر مطلعة الخطوة، إلى الأوضاع المالية والمعيشية المتردية في لبنان والركود الإقتصادي الذي فاقمه وباء الكورونا شللاً لكل حركة.

وفندق البريستول تأسس عام 1950 لأصحابه آل ضوميط ومنهم الوزير السابق في عهد الرئيس الياس سركيس ميشال ضوميط، وهم أبناء حمي الوزير السابق ميشال إده. وآل ضوميط رجال أعمال كبار وعندهم مؤسسات صناعية كبرى ومنها مصنع للترابة البيضاء في لبنان ومصنع أكبر في فانكوفر في كندا ومصانع في دول أخرى . وهندس الفندق المصمم الفرنسي المعروف جان روبير (1902 – 1981).

وتولى إدارة البريستول لفترة جورج الريس الذي شغل قبل انتقاله إليه منصب مفوض السياحة والإصطياف في الدولة اللبنانية، وهو منصب حلـّت مكانه وزارة السياحة. ثم طلّـق الفندق ليؤسس مطعماً سماه “مطعم الريس” في بناية “بيبلوس” الضخمة، في منطقة الريفولي ــ ساحة البرج.

 

وكان أوتيل البريستول يعتبر درة الفنادق في لبنان وتميز بسعته وفساحة غرفه وأجنحته وتنوع مطبخه، وحلبة تزلج على الجليد كان يقصدها سياح من كل العالم وتحولت الحلبة مستشفى ميدانياً لمنظمة الصليب الأحمر خلال الحرب.

ويقدم البريستول أطباق طهاة مشاهير تتميز بمزيج من الأطباق الشرقية وتلك المستوحاة من المطبخ العالمي. وهو أطلق نظام الصحن اليومي قبل أن يصبح ملتقى كل يوم خميس، لذواقة الملوخية ويوم الجمعة لصيادية السمك، تماشياً مع ” القطاعة” عن اللحم عند المسيحيين، وهما صحنان تبنــّـاهما معظم المطاعم والفنادق الكبرى في لبنان خلال هذين اليومين.

 

ويوفر بريستول بيروت مسبحاً خارجياً وحوض استحمام ساخناً يمكن التحكم بدرجة حرارته، وتم تجديد هذا الفندق المصنــّف 5 نجوم حديثاً، ليصبح 7 نجوم وأشرف على ترميمه وتحديثه المهندس العالمي فيليب ستارك، كذلك يوفر تصميماً فنياً مميزاً و8 غرف واسعة للاجتماعات ومركز خدمة شخصية، ويضم نادياً فريداً، وطابق “هيبستر” بتصميم عصري ، وصالة نادٍ فخمة مع أطعمة شهية على مدار اليوم، و”بيزنس سنتر”. واستمرت ورشة تحديث الفندق سنوات كان فيها مقفلاً ، وكلـّفت نحو 15 مليون دولار. ويتولى رئاسة مجلس إدارته حاليا السيد الياس ضوميط.

كذلك يتميز البريستول بوقوعه على مقربة من مراكز طبية مهمة وفي مقدمها الجامعة الأميركية ومركز كليمنصو الطبي ، وعلى كتف شارع الحمراء حيث تتوافر الحانات والمطاعم والمحال التجارية الرئيسية. وهو يبعد 10 دقائق بالسيارة عن مطار بيروت الدولي.

 

و استقبل البريستول العديد من رجال العالم المعروفين ومنهم شاه إيران محمد رضا بهلوي، والرئيس الفرنسي جاك شيراك، والعاهل الأردني الملك حسين الذي كان يمضي فيه فترات زياراته غير الرسمية للبنان، وأمير موناكو البر، وموسيقي الجاز ديزي غيليسبي. وكان ملجأً للصحافيين الأجانب الذين تولـّوا تغطية بدايات الحرب في لبنان.

 

فكر وسياسة

وتحوّل الفندق لفترة مكاناً للقاءات حاكم مصرف لبنان السابق الياس سركيس مع شخصيات محلية وخارجية تحضيراً لرئاسة الجمهورية عام 1976. ومنه انطلقت أول معارضة منظمة ضد الوجود السوري في لبنان عبر “إعلان البريستول” قبيل اغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري.

وبإقفاله طويت مرحلة مهمة من تاريخ بيروت وتاريخ “البريستول” الذي ارتبط بأحداث سياسية مفصلية خلال فترة الحرب في لبنان واستضاف الملوك ومشاهير الفن والسياسة، وصمد خلال هذه الحرب وخلال أزمات متتالية في لبنان.

 

ويأتي قرار إقفال “البريستول” أحد أبرز معالم بيروت الثقافة والسياحة، بعد إقفال معالم كثيرة أخرى في مقدمها كلية الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية لؤلؤة التراث العمراني اللبناني بحجة تجميع الجامعة في الحدت، وهو القرار الأسوأ الذي اتخذ والطعنة النجلاء لبيروت “أم الشرائع”. ثم رحلت عن الحمراء صحف “النهار” و”الأوريان لوجور” و”الحياة” و”السفير”وابتعدت “وكالة الصحافة الفرنسية” و”رويترز” و”اليونايتد برس” و”الأسوشييتد برس”، بعد مطاعم ومقاه شكـّلت ملتقى كتـّاب وصحافيين وشعراء من “الأكسبرس” إلى “الهورس شو” و”الويمبي” و”كافيه دوباري” و”المودكا” و”التوك أوف ذي تاون” و”التوكيه” و”صوفر” و”شيه أندريه” و”العجمي” و”البرمكي” و”فيصل”، وصالات سينمات “الحمرا” و”الدورادو” و”البيكاديلي” و”الكونكورد” و”الكوليزيه” و”ستراند” و”سارولا” و”أورلي” و”جاندارك” و”الفاندوم” و”مونتريال”وغيرها الكثير، فضلاً عن صالات العرض الدائم للطبقات الشعبية و”أبو رخّوصة”.

 

بإقفال “البريستول” يوصد الباب الأخير لعصر ذهبي عاشه شارع الحمراء واجهة حضارة لبنان وثقافته وعيشه المشترك الجميل.

والسؤال نردّده مع أحد رموز حضارة شارع الحمرا وثقافته الفنية المبدع زياد الرحباني “بالنسبة لبكرا شو؟”

و”بالنسبة لبكرا” مع آل ضوميط ـــ على ما يبدو ـــ يتعلّق بعودة لبنان الذي نعرفه… وإلا فنحن سائرون من إنحدار إلى انحدار.

 

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *