مكمن الحكمة ونعمة الوقت

Views: 20

د. جهاد نعمان

ماذا بعد 

وتوقف  كل شيء!.. 

ان هذا العالم الأشبه بالشهاب المتفجّر في سرعته الجنونية، والذي كنا نعرفُ انه ماضٍ الى حتفه ولم يكن انسان فرد قد وجد كبسة ايقافه لحالات الطوارئ، ان تلك الآلة العملاقة قد تعطلت دفعة واحدة، وبسبب حشرة جد صغيرة، وطفيليّ لا تراه العين المجرّدة ، وحُمة لا تُرى… 

يا لها من سخرية القدر! ها اننا مجبرون على ايقاف كل حركة وأي عمل. ولكن، ما الذي سيحصل بعد ذلك عندما سيستعيد العالم مسيرته، وعندما يتغلّب على الحشرة البغيضة؟ كيف ستكون حياتنا؟ 

بعد ان نتذكّر ما عشناه في حجرنا الطويل، سنختار جديًا يومًا واحدًا في الاسبوع نتوقف فيه عن العمل لأننا نكون قد اكتشفنا كم يطيب لنا ان نتوقف؛ نمضي يومًا كاملاً للتلذذ بوقت يعبر وننعم بمعايشة أولئك الذين يحيطون بنا. 

ماذا بعد؟ ان الذين يقطنون معًا تحت سقف واحد، سيصرفون ثلاث أمسيات اسبوعيًا للتسلية والتحادث والاعتناء بعضهم ببعض والاتصال بالجد الذي يعيش في الطرف الآخر من المدينة اوالانسباء الذين باعدتهم الأيام. وهكذا نستعيد واقع الأسرة. 

ماذا بعد؟ سنسطّر في دستورنا انه لا يسعنا ابتياع كل شيء، وانه علينا ان نميّز بين الحاجة والنزوة، بين الرغبة والطمع، وان الشجرة تحتاج الى وقت ما لتنمو وان الوقت الذي «يأخذ وقته» ضروري أحيانًا. ندرك ان الانسان لم يكن ولن يكون كلي القدرة وان هذه المحدودية، وهذه المعطوبية في صميمه هي نعمة لأنها شرط امكان كل حب. وهنا تكمن الحكمة. 

ماذا بعد؟ لن نصفّق وحسب يوميًا للهيئة الطبيّة صباح مساء وانما أيضًا لعمّال التنظيفات تحت أجنحة الظلام والخبّازين مع طلوع الفجر وسائقي سيارة الأجرة أوالنقل المشترك ليلَ نهار والسادة المنتخبين للعمل منذ العاشرة صباحًا وهكذا… أجل، قلت السادة المنتخبين لأنهم، خلال مسيرتنا الطويلة لصحرائنا بل تصحّرنا المتمادي، سيكتشفون فعلاً معنى خدمة الدولة والاخلاص والخير العام. سنصفق لكل امرأة اورجل وضع نفسه في خدمة الآخر . وهذا ما نطلق عليه تسمية عرفان الجميل. 

ماذا بعد؟ سنقرّر ان نقلع عن الاضطراب انتظاراً لدورنا أمام المخازن والافادة من الوقت «الضائع» للتحادث مع اناس ينتظرون دورهم مثلنا. ذلك اننا سنكتشف مجددًا ان الوقت ليس ملكنا، وان ذاك الذي أعطاناهُ لم نعطه شيئًا في المقابل وان الوقت (ليس) من ذهب! الوقت عطية نتلقاها وكل دقيقة هدية ينبغي ان نستلذّ بها. (https://www.vidaliaonion.org/) ونطلق على هذا تسمية الصبر الذي هو مفتاح الفرج.

ماذا بعد؟ في مقدورنا ان نتعاون منذ الآن بوساطة “الواتس آب” وسواها عبر الخدمات والأخبار والارشادات المتبادلة. وهذا ما نسمّيه اخوّةً. 

سنهزأ بالمرحلة السابقة التي وقعنا فيها فريسة آلات ابتدعناها وهي انقلبت علينا وعلى الكوكب بأسره. هكذا يستعيد الانسان محوريته فما من شيء يستحق اكثر منه اهتمامنا. 

وهذا ما ندعوه عدلاً! 

لن نكون عبيدًا مستسلمين لـ «فأرة قد تلعب في عبّنا » على غير صعيد وفي غير مجال. وحدّها شاهقات القيم والعلاقات البشرية هي في  الميزان. 

أخيرًا وليس آخرًا، ان المأساة التي سنعبرها عاجلاً أم أجلاً، شأنها ان تشعرنا بالتساوي والمساواة امام خطر الموت. فلا حياة من غير متاخمةٍ ما لمعضلة الموت، وما من سلام في معزل عن استذكار الموبقات ولا سيما أمراض الأنا الفردي والجماعي. وما من فرح إلاّ وعَبرَ تجارب الحزن، والتجارب محك الرجال! 

هذه هي المسيرة التي من الطبيعي ان يسلكها كل وطن وانما بمؤازرة مسؤولين شرفاء عقلاء! لعل المحنة بل المحن لا نزال نمرّ بها ستجعل شعبنا المنتفض اخيرًا وبعدما جرّب  الأصنام التي حظّرت منها قوانين الأرض وشرائع السماء، ستجعله يسوق الوطن الذي يعبد فيه الله وحدَه فيتحلّق حوله ويخلق بكل مكوناته أمّة حقيقية ذات رسالة خالدة! 

نبحث عن مسؤولين – أبطال يتجلّون أئمة في الأمة وقادةً فعليين عظيمي النفوذ في الألفة، لا متحكمين فيها تحكّم المسيطرين المستبدين هم وقبلهم مَن وراءهم. 

***

(*) د. جهاد نعمان أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *