طالعة كالرّيح

Views: 909

د. جان توما

أطلع من العتمة كما يطلع أبي بجلبابه الأبيض إلى الحارة بعد الإفطار.

كجري ماء الأبريق ،على امتداد مدّ الذراع عالية، في اشتهاء تساقط القطرات.

كما ندى الصباح المغناج على وجنات حبّات عناقيد العنب.

هذا الاصفرار النابت من جوف النبات، أشبه بالنّجوم الطالعة من قلب الشُّهُب النّارية، تحترق ولا تحرق، يستضاء بها وهي الضائعة في ليالي الوحدة. بينها وبين أختها ألف ألف سنة ضوئيّة، كالمسافة بين بؤبؤ عين وآخر، يتكاملان في البصر وهما متباعدان، وحيدان، يحرقهما الشّوق فيلمعان ودًّا في يقظة جفون، أو يصيبهما جنون إن ألقت حلوة نظرة في قعرهما، أو غسلّت وجهها بدمع فرحهما.

طالعة سنابلي كما يطلع الهمّ من دواخلي، كما تحليق طير تحرّر من قفصه، وكما تغريد بلبل من بعد امتناع. طالعة بكامل أناقتي في وجه الشمس في معمودية نور أعبره إلى معارج الضياء، لأتوه في سهول المروج المفقودة، كما تتوه الخيول في المراعي من دون أن تفقد جلول العودة، ودروب حوافرها الأليفة.

هذه ألواني تواكب الربيع الآتي بعد عاصفة الحضور، ورتبة الغياب. كلّ الفصول تعرفني وتعرف وجعي، وأنا في غربتي أبحث عن كومة تراب لأطلع منها، كما يطلع الماء من شقوق الحجارة ولا يصمد في وجه الريح ليصبح رفيق الريح.

 

(*) اللوحة للفنان حبيب ياغي

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *