مراكش

Views: 509

د. جان توما

قلّب زلزال مراكش أوراق ذاكرتي، ليعيدني إلى تلك المدينة العابقة بجمالات سحر الشرق والمغرب، إذ تقوم معارجها على تلك الحكايات التي يغوص فيها المتبحّر في التاريخ، حيث تطلع الأحداث من الورق، وتتخايل أمامك على مدى النظر. هو المغرب العربيّ المتألق في عمق الحضارة، والعابر من ضفّة المتوسط الإفريقيّ إلى ضفّة المتوسط الأوروبيّ، حيث كانت الأندلس شهادة تلآقح وتلاقٍ ومثاقفة وعبور إلى ميدان العلوم الوافرة المتبادلة.

مراكش، المدينة الحمراء، التي غنّاها كثيرون، وقصدها رحّالة ومستشرقون، وبحّارة وعابرون، ومتقاعدون أوروبيون صارت مدن المغرب ملاذًا لهم في شيخوختهم وتقاعدهم، كيف وَعَت ليلًا أنّ زلزالًا قد أصابها، أو انقلبت فيها أرض أو يابسة؟

عاشت مراكش، في البال والخاطر، منذ القراءات الأولى، حيث المغامرات والخرافات والقصص الباقية في الذهن والخيال رمالًا تنساب كالبحر إلى الحواضر، على الرّغم من  الرمل الكثير الذي يبلبل عيون ساكني الصحراء. هذه هي البادية المبصرة والتاريخ الغني، مهوى أوراق الكتب وسرد الحكايا.

لذا لما كرجنا عام 2007 كالأطفال في ساحة جامع الفنا، ودُخنا في معارج الساحة التي تبلغ نحو 42 ألف متر مربع، وتضمّ العديد من المحال التي تبيع التراثيّات والانتيكات، كما ينتشر فيها الحواة الذين يدربون الثعابين والأفاعي على التصوير مع الجمهور، إضافة إلى علو أصوات بائعي الخضار والفواكه، وبائعي الحرف اليدوية الجميلة، وانتشار المطاعم والمقاهي.

هذه مدينة تجوب في شوارعها كأنّك تجوب مدن التاريخ، تلتقي الذين مرّوا من هنا، ومن أقام حكمًا، أو سلطة، أو ثقافة، أو تاريخًا، أو تراثًا. تتكلّم الأزقة لغتك، وتنطق الجدران القديمة عبر أسوار البيوت البسيطة الملوّنة، المرمّمة أو المتهالكة، صورًا من هذا الإرث التراثيّ الكبير.

مراكش التي تعاني اليوم، ستنتصر على الموت، لأنّ رائحة الحياة التي كانتها، وعاشتها، وصارتها، وعاصرتها محفوظة حيّة في مزمار حاوي ساحة الفنا، وفي عفويّة الباعة، وجري الأطفال وراء دولاب يكرّ أمامهم، فلو انقلب أرضًا أعادوه، برؤيتهم للمستقبل، واقفًا، مكرًّا مُقْبِلًا مدبرًا، بعزّة وكرامة.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *