أمين الريحاني “نور الأندلس” ونهضة العرب

Views: 800

سليمان بختي

عرف أمين الريحاني (1876-1940) بأنه أهم رحالة عربي شهده القرن العشرين. وقد اختطّ نهجاً في رحلاته العربية التي بدأها برحلة إلى “ملوك العرب” ثم “قلب العراق” و”قلب لبنان” وصولاً إلى “المغرب الأقصى”. ودوّن ذلك في “سلسلة كتب تُعنى بأحوال البلاد العربية، وتُعرّف لمناحي الخير والضعف فيها، وتكون “خير سفير لتعاطف هذه الأقطار ووحدتها”، على حدّ كلمات الريحاني.

انطلقت رحلات أمين الريحاني إلى البلاد العربية في العام 1922 والتي قابل فيها شريف مكة الحسين بن علي وسلطان قبائل حاشد والإمام يحيى إمام اليمن وعبد العزيز آل سعود الذي ارتبط معه بصداقة قوية وقدّم إليه سيفه الخاص وأهداه فرساً عربياً. وقابل أيضاً أمير الكويت احمد الجابر الصباح وشيخ البحرين حمد بن عيسى وفيصل الأول ملك العراق ثم توالت الكتب: “ملوك العرب” (1924) و”تاريخ نجد الحديث” (1927) ثم كتاب “النكبات” (1928) ثم “التطرف والإصلاح” وكتاب “ابن سعود” شعبه وبلاده”. ولم يتوقف الحبر في دواته أبداً فكتب عن رحلاته بالعربية والانكليزية، وكتب شارحاً قضايا العرب في أميركا، وكتب مطالباً باستقلال لبنان فنفته فرنسا إلى العراق وعاد منها في العام 1934.

 

وفي عام 1939 وبعد زيارته للمغرب كتاب “المغرب الأقصى” ووافاه الأجل في العام 1940. ولكن ظهر بعد وفاته عدة كتب منها كتاب “نور الأندلس” الذي يتضمن رحلته إلى منطقة الحماية الاسبانية. وبذلك يكون هذا الكتاب في الرحلات من خارج رحلاته إلى البلاد العربية، والى بلد اوروبي استعماري وآخر كتبه في الرحلات. فكيف تمّت الرحلة وهل كانت مصادفة، وهل صحيح أن الدعوة الاسبانية إليه كان هدفها تلميع صورة فرانكو الديكتاتوري وكسر عزلته؟ أو كأنها وليد ظرف دولي أي انتهاء الحرب الأهلية الاسبانية وبدء انتهاء الحرب العالمية الثانية؟ وكيف كان موقف الريحاني الحضاري النقدي من اسبانيا؟

يقول الريحاني في كتابه “لم يكن من أغراضي في الرحلة المغربية ازور اسبانيا، ولكني بعد أن سحت في المنطقة، وشاهدت أعمال الحكومة الحامية ما هو في دور الإنشاء، وما لا يزال عهداً وأملاً، رأيت من الواجب عليّ أن أقابل الجنرال فرانكو لأتحقق ما لاح لي، ولم أخفِه على القارئ – من أنوار وظلال الحملة المغربية الحديثة”.

 

وبالتأكيد أن الرحلة كانت مصادفة وان الريحاني بدّد ما أثير حولها بموقفه النقدي الجريء دون خوف لا من العرب ولا من الإسبان. فهو يقول: “ما قامت النهضة الاسبانية الفتية الوطنية وازدهرت إلا بعد انقراض الحكم العربي في البلاد، ولا تقوم النهضة العربية الثقافية الوطنية وتزدهر ازدهاراً شاملاً إلا بعد أن يخرج الأجانب المسيطرون من البلاد العربية”.

كتب الريحاني مشاهداته وسرده للتاريخ العربي الاسباني ورؤيته للعمران والطبيعة وتعريفه بمظاهر الحياة الاجتماعية الاسبانية حتى انه لا يخفي غبطته “بما مهدته الحكومة من قبل السياحة والعالم”. وإذا كانت رحلة اسبانيا هي الوحيدة للريحاني خارج البلاد العربية إلا أن اسبانيا لها صلة عميقة بالثقافة العربية وحتى التراث العربي الأندلسي المشترك.

 

وببراعته المعهودة جعل الريحاني من رحلته هذه رحلة إلى الماضي العربي المشرق والماضي الاسباني وما تخلله من اجتياح الاسبان لأميركا واستعمارها. أرادها الريحاني رحلة إلى مستقبل العرب ونهضة المجتمع العربي استرشاداً بتجربة الأندلس أيضاً. والحال أن الريحاني يروم في كتاباته إلى تحقيق ازدهار حضاري عربي. علماً أن رحلته إلى اسبانيا شملت تقريباً كل اسبانيا. ولكن لقطة الكتاب، برأيي، هي الفصل الأخير منه حيث الحلم أو اللقاء التخيّلي الحواري بين الريحاني والفيلسوف ابن رشد في قرطبة. وكأن الريحاني يستحضر لحظة ابن رشد لتحفيز وتحقيق نهضة المجتمع العربي، وفي الحوار يجيب ابن رشد اولاً على سؤال الريحاني بقوله: – فكرت يا ريحاني وسألت، فجئت أجلو فكرك وأجيب سؤالك.

– الريحاني: غمرتني والله بفضلك.

– ابن رشد: الفضل لذوي أرباب الفكر والرؤيا، ولستُ اليوم منهم (قال ذلك وهو يهزّ برأسه كمن تؤلمه الذكرى).

– الريحاني: ولكن زيتك يا سيدي لم يزل  يشتعل في مصابيحهم.

– ابن رشد: نعم في مصابيح الفرنجة لا العرب، والسبب في ذلك أن قد امتزج بزيتنا كثير من الماء، ولم يحسن العرب تصفيته مثل الفرنجة…”.

 

ربما، زيارة الريحاني إلى اسبانيا اندرجت في إطار جدلية الشرق – غرب ولكن تبقى اهميتها في اللقاء الحضاري الإنساني العظيم الذي هو فوق المادة وفوق الروح.

نشير أخيراً أن كتاب “نور الأندلس” صدر في العام 1952 بعد غياب الريحاني في طبعته الأولى عن دار “المعارف – القاهرة وبلغت طبعاته 9 حتى اليوم وقد ترجم إلى الاسبانية.

والريحاني هنا مستبقاً عصره مفكراً إنسانياً شمولياً مرهفاً نهضوياً في النقد الحضاري، وفي المقاربة – المقارنة، وملتزماً حضارته العربية بالوعي القومي واستنهاض همّة العرب، والحاجة إلى التحرّر من الاستعمار وتحقيق وحدة العرب ونهضتهم الحقيقية. 

أراد أمين الريحاني من كتاب “نور الأندلس” أن ينعكس ضوءاً في تاريخ العرب وينير ظلمة الشرق مردّداً في وجدانه مقولته الشهيرة: “متى تحولين وجهك نحو الشرق أيتها الحرية”.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *