لعلّنا نتّعظ… قراءة لمقالة “الكَرْم المُهاجر” لباسم عون

Views: 417

سليمان يوسف إبراهيم

كما تصيب المَلمات كل مهجور، هكذا وجد الوالد أرضه بعد غياب، تحت وطأة البري يخنق ما كان قد ترك فيها من غرس الخير؛ يقتات ويقيت من مواسمه عياله ونهمه إلى فوران رزق….

 والكرم؟ بدلا من أن يسيجه صاحبه بالورد والمنتور وأخضر الغصون، ارتفع حوله وتطاول عليه جحافل جيوشٍ من بطم تخنق أعناق الدوالي إلى أن أضربت عن عطاء…. وساده العوسج وتمدد في صدره البلان وتطاول عليه القندول، حتى قطع عن صدره مسارب الروح والنسمة البكر، من سكة فدان وعزيمة فلاح، عشق التراب مستنبتًا ﻷحلامه يفور بفيض المواسم من قلب دفاق خيورا….

 لم يتمكن الوالد من دخول مرتع شبابه وصرح رجولته: فاستلقى على حدود المرتع بما كان يريد أن يكون عليه مسقيًا المنى مالح دمعه…… غير أنه كان للفتوة في الموضوع، رأي مخالف. رأي، بث اﻷمل والرجاء متوقدين مجددًا في خلد الوالد الذي أنهكه حمل السنين… متمتمًا في خلد ولده قبل مسمعه: “الكرم هاجر يا صبي، هاجر ع الحرج؛ شفتلك شي حدا هاجر ورجع؟”.

باسم عون

 

وقد عقب على استرجاع الولد لما فقد والده استرضاء لكبرته ومسحًا لدمعه، قائلا: “ما فيك يا بني ما فيك، اللي هاجر ما بيقدر يرجع”… ويزهر تساؤل الكاتب سياجًا ولا أزهى لذكريات وأمان لا يريد لها أن تموت أو تتوانى عن مرسح إصراره باسترجاع ما كان، وإعادته إلى مرسح الزهو ربيعات من عطاءات ومؤن تزحف من  مراتع البال لتستقر في أهراءات  اﻵن… فاسمعه يتساءل قائلا: “أترى الكرم قد هاجر فعلا إلى غابته؛ أم هي الغابة اﻷم استردت وليدها؟”

ذاك الوليد الذي استحلفه أبو بشاره الجد، ورحل: كان كل أمله أن يصونه ابنه بما رباه عليه… وهو، لم يقصر عن حفظه الوصية من بعده… غير أن الذئب، دهم أيامه واغتال وطنه وازدرد حلمه في أرضه ومنها…..

قرأتك يا صديقي؛ راويًا حاضرًا يستحضر اﻷحداث. “قلم يكتب الجراح”، جراح أمة بأسرها لا تزول ولن تندمل إلا بعزة النفوس واسترجاع كرامة تزهر وتعقد غصونها باسترداد اعتبار اﻹنسان  بإنسانيته قيمة لا تفارقه ليبقى على ما رسمه خالقه من صورة ومثال يعود بهما إليه.

كما ويعكف اﻹنسان إلى التواضع قيمةً لا تفارقه؛ متواضعا ﻷخيه اﻹنسان ولخالقه من قبل؛ شاكرا على ما وهبه من فيض اﻷيام عمرا يزينه بأحلام يجسدها إنجازاتٍ بلا منةٍ؛ قانعين بما وصلنا من عطاياه غير ملتفتين إلى مُنح سوانا بعين حسد أم بِزَورةِ جَشَعٍ، متطاولين على أعناق الناس بكراماتهم وأرزاقهم كما نعاني في يومنا البائس الذي نحيا….

 معكم باسم عون؛ ومن حجركم المُلزم أضرعُ، ونحن حملة اﻷقلام؛ من الصعب أن يُحجر علينا؛ متمنيا أن تكون أيامنا الكورونية قد لقَّنَتْنَا من كتاب الحياة دروسًا لم تخطّها محابر؛ وهدتنا إلى سبل لم تدبّجها يراع، لندنو من سبل الخالق، مبتعدين عن مسالك شياطينه واﻷشرار من خلقه… وإن لمرة واحدة، نستغفر بها ربنا عما اقترفت أيدينا من مساوئ وفظائع وعظائم بحق الوطن وإنسانه.

 باسم عون، قرأتك داعيًا إلى توبة، فسجدنا معا، كاتبًا وقارئًا؛ في محراب الكلمة خشوعًا: فعلّنا نتّعظ!!!

عنايا؛ في 5/ 5/ 2020

***

(*) مقالة “الكرم المهاجر” نشرت على موقع Aleph-Lam في 8-4-2020

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *