يحيى اللبابيدي (1900-1943)… لحنُه “يا ريتني طير” صنع شهرة فريد الأطرش

Views: 535

سليمان بختي

أكثر ما رسخ في الذاكرة عن الملحن يحيى اللبابيدي (1900-1943) أنه كتب ولحن أغنية “يا ريتني طير لطير حواليك” لفريد الأطرش (1910-1974) وأعطاه شهرته الأولى.

إلى ذلك كان دوره فعالا بارتقاء وتطوير إذاعة القدس منذ لحظة تأسيسها في الثلاثينات من خلال ترؤسه القسم العربي للموسيقى الشرقية وبالتنسيق مع الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان (1905-1941) الذي كان يرأس قسم اللغة العربية والبرامج الإذاعية في تلك الفترة. ومن أشعار طوقان وألحان اللبابيدي أنجزت الألحان والأناشيد والأغاني الوطنية والاجتماعية والدينية مثل “نشيد غازي” وأغنية “ألا يا ربة الدار” و”أشواق الحجاز” وموشح “أنشدي يا صبا”. كما لحن مجموعة من قصائد الشاعر الفلسطيني عبد الكريم الكرمي (1909-1980) ومنها أغنية “الزهور والطيور”. 

يحيى اللبابيدي في إذاعة القدس

 

ولد يحيى أحمد اللبابيدي في بيروت سنة 1900 ووالدته ثريا الفاخوري. وأسرته قديمة العهد في بيروت ولها فروع في سوريا وفلسطين.

أتم تحصيله الابتدائي والثانوي في مدارس بيروت ثم التحق بالجامعة الأميركية في بيروت فرع طب الأسنان.

ولكن حبه وشغفه للفن جعلته يترك الجامعة الى عالم الموسيقى ليصبح علما من أعلامه.

عندما شرعت حكومة فلسطين في تأسيس محطة “الإذاعة” في القدس وقع الاختيار عليه ليكون مديرا للقسم الموسيقي فيها واستمر ردحا ينتج ألحانا رائعة بنغماتها وكلماتها.

ذاع صيته في فلسطين وصاهر عائلة الدجاني سنة 1937 وأنجب طفلين.

واستمرت رحلته في الإذاعات فكان مديرا للقسم الموسيقي في محطة “الشرق الأدنى” للإذاعة العربية.

امتازت ألحانه بالعذوبة والرشاقة وقدم ما يقارب ال 150 أغنية ونشيدًا وأغاني للأطفال عدا الموشحات والطقطوقة.

وتميز أيضا بالمونولوغات الغنائية الناقدة مثل “كل شي فرنجي برنجي” و”الدنيا هي هي ” و”يا قطيشي ملا عيشي”و”يعقوب يعقوب” و”خفيف الدم” و”يا ظالم لمين إشكيك” و”هات ياالله هات” و”بياع التفاح هلق إجا هلق راح بياع التفاح” و”نشيد العلم” و”نشيد الوطن العربي” و”نشيد بلادي” و”نشيد الكشاف” و”نشيد العمال”. 

كان يحيى اللبابيدي يكتب أغانيه ويلحنها ويعزفها على البيانو أو العود بطريقة تعكس شغفه وحرفيته.

وعمل أيضاً على تجهيز البرامج الإذاعية بالألحان لجهة المقدمات والفواصل.

واهتم بتشغيل الفونوغراف لكبار نجوم الطرب في سهرات الإذاعة مثل محمد عبد الوهاب وصالح عبد الحي وغيرهم. كما أفسح بالمجال للمواهب الشابة لأن تأخذ فرصتها مثل ماري عكاوي ورجاء وفهد نجار.

 

تعتبر أغنية “يا ريتني طير لأطير حواليك” من اجمل ما لحن اللبابيدي. وبدأت فكرة كتابتها وتلحينها لكي يهديها لزوجته ربيحة الدجاني. وقد استوحى كلماتها من رجل عابر كان ينادي بأعلى صوته “يا دايم الدوم… كل مين إلو يوم”. إستوحى الكلام واللحن وأنجز الأغنية وراح يبحث عن صوت جميل يغنيها. قدمها أولا الى المطرب اللبناني إيليا بيضا (1915-1977) الذي سجلها بصوته ولكنها لم تنتشر وتنطلق لاعتراضات تناولت عادية الكلمات ومستوى اللحن.

في منتصف الثلاثينات كان فريد الأطرش يعاني لإثبات نفسه كمطرب في القاهرة ويعمل ليلا في صالتي بديعة مصابني وماري منصور. وفي النهار يتابع دروسه بمعهد فؤاد الأول للموسيقى. وفي نهاية السنة رسب في الامتحان أمام اللجنة الفاحصة للصوت والغناء وكان يعاني الرشح والزكام في ذلك اليوم. بالصدفة التقى الموسيقار مدحت عاصم (1909-1989) (المدير الفني للإذاعة المصرية) الذي أعجبه صوت فريد وعزفه على العود فوقّع معه عقدا لحفلات وبدأت تعرفه الناس. عام 1936 التقى يحيى اللبابيدي الذي قدم له لحن “يا ريتني طير” وكانت وجه السعد لفريد الأطرش وانطلق من خلالها لألحان وأنغام أثرت الموسيقى الغنائية العربية. 

استمر يحيى اللبابيدي يعد البرامج الفنية والألحان وبلغ منه التعب مبلغ الإجهاد والإرهاق  فأصيب بنزيف داخلي وقضى في 13 ايار 1943 وهو في عز عطائه ونجاحه. 

كان يحيى اللبابيدي أحد الشهود الكبار على مرحلة مهمة من التواصل الثقافي والفني بين الدول العربية. تغنى بألحان عديدة لفلسطين ولبنان ودنيا العرب ولكنها فقدت نتيجة ضياع أرشيف إذاعة القدس بعد حرب 1948 وضاع معها إرث ثقافي هائل لمبدعين وفنانين عرب تمتعوا بمواهب حقيقية واسعدوا الناس. 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *