منديل السّفر

Views: 61

د. جان توما

لماذا حين نرسم طيور النّورس تمتدّ الريشة على مدى الترحال والشّوق والوحدة؟ ولماذا تبقى الريشة طافية على قماشة اللوحة كما يطفو النورس على سطح المياه؟ كأنّهما لا ينتسبان إلى مدى قماش السماء، ولا يقدران على غور عمق الماء واللون.

النّورس رحّال دائم يبحث عن الدفء في فصول الشتاء، كأنّه قرصان البحر  الطالع من أشرعة الوجع إلى مراسي النبض المضطرب والقلق الموجع. يطفىء لهيب شوقه بشرب الماء، سواء كان مالحًا أو عذبا، فلديه القدرة على شرب الماء المالح بفرح، فلا عجب إن لاحق مراكب الصيد، يلتهم ما ترميه من بقايا السمك، فيما يستمع بشغف إلى أناشيد البحارة المتألمة الحزينة الناطرة عودتهم آمنين إلى أحضان أسرهم الناطرة أيضًا، كأناشيدهم ، لازمة البداية وقفل الانتهاء.

النورس رفيق الشعراء والأدباء. كلّما ضاقت اليابسة بهم، خرجوا مثله إلى الشواطىء، يفتحون نوافذ الريح وأبواب الأساطير . (teledentistry.com) كم من محضر كتبه شرطي الساحل وجاء فيه: ” أنّ شاعرًا كان هنا، يخرج الكلمة من جيبه، والقصيدة من عبّه، يطعمها للنورس سرًّا، فتروح النوارس إلى الأفق، وتعود إليه بكلمة سرِّ الإبداع. يودعها قلبه ويمضي، كما أتى، بلا أحلام ولا كلام، بل برفّة هدبٍ من نسيم وافد من استدارة وجه حسناء كانت هناك ولم يرها، مكتفيًا بمنديلها المشغول، بالدّمع والوجع، شراع سفر في بؤبؤ عينيه”.

***

(*) اللوحة للصديق زياد غالب

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *