طرابلس…

Views: 923

د. جان توما

كَرَج َخشب الأرز من فوق، مترنّحًا فوق مياه نهر وادي قاديشا باتجاه ساحل طرابلس حيث تنتظره سفن الفينيقيين لنقله إلى حواضر المدن الكبرى.

كانت قوّة ماء النّهر النازلة من وادي القديسين حاضنة الأراضي الزراعيّة المتاخمة، ومعبرًا تجاريّا لأخشاب الأشجار في الجبال حيث تتلوّى حذوعها مع جريان المتساقطات الحلوة إلى المصبّ المالح الساحلي.

قامت على ضفاف نهر ” أبي علي” التكّية المولوية والمساجد والكنائس، كما سكنت في منطقة هدوئه ، شتاء، على مدخل  أبي سمراء عائلات بشري وحصرون والجوار. كان النهر ملتقى الناس ومتنفّس المواطنين، مأكلهم ومشربهم، زمن القلّة والعفوية، فكيف صار، زمن الحضارة(؟) مرمى ما تبقّى، وما انتهت صلاحيته؟ حتى أصابت مياهه السقم، ودبّ فيه الجفاف، وإن فاض فلا خير يصيب، بل قاذورات وإهمال وفوضى.

كانت طرابلس ” بندقية” أو” Venise” الشرق، وباسم طوفان النهر عام ١٩٥٥ هدمنا الجسور الحجريّة والخشبيّة، وأبعدنا الماء الزلال من تحت القلعة وأبواب البيوت. باسم الطوفان غيّرنا هويّة المدينة. كانت مدينة النهر فصارت مدينة الرهن لعدم التخطيط، ولعدم توافر فرص العمل، في بحث مضنٍ عن هويّة مزّقناها بأيدينا لنبحث عن بدل ضائع ولم نقع عليه.

هويّة طرابلس قائمة في استعادة هويّتها التاريخية: بترميم أسواقها وتجميل ساحاتها الداخليّة ،ورفد المجتمع الأهلي في الداخل بالمشاريع الإنتاجيّة.

طرابلس النهريّة استعادة لمجد ما زال محفورًا في الداخل ويبرز إن توافرت الإرادة والتخطيط، لتكون على شاكلة لوحة البال الملوّنة بريشة الصديق زياد غالب لمدينة النهر.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *