القارات المنسيّة

Views: 952

د. جان توما

من هذا البيت، في مدينة جنوى ايطاليا، كانت عينا البحّار كريستوف  كولومبس (١٤٥١-١٥٠٦) تراقب حركة البحر. على هذا الشاطىء كان يضع أذنه على صفحة الماء المالح ليسمع حركة اليابسة البعيدة في تلك القارات المنسيّة، كما كنا نضع آذاننا على الخطّ الحديدي، في تلك الأزمنة، لنسمع هدير عربات القطار المنتظرة.

تجول في ما تبقّى من بيت كولومبس، وتتذكر عِلْمَه البحري ورغبته في الاكتشاف وترويض المساحات البحريّة واقعًا، بعدما روّضها  افتراضيا سندبادنا البحري سابقًا.

بيت متواضع ضيّق كيف استطاع أن يسع كلّ هذه الأحلام والخرائط؟ كيف تمكّن الخيال الجغرافي عنده أن يتجوّل خارج هذا البيت الصغير، ويبحر في البحار السبعة، ويفتح الطريق لاكتشاف قارة جديدة ظنّها الهند الغربية، فإذا بتلميذه أميركو فسبوتشي يكتشف خطأ أستاذه، ويكتشف قارة جديدة أطلق عليها اسمه.

هذا الركام من البيت العتيق لطفولة كولومبس، المرمّم  لاستقبال السيّاح، عرفت ايطاليا كيف تحوّله إلى نقطة استقطاب للزائرين، كما فعلت مدينة (فايادوليذ) أي بلد الوليد في اسبانيا ببيت كولومبس الذي قضى فيه أواخر حياته ودفن في كنيسة إشبيلية.

غريب صوت البحر الذي ينادي الطامحين: أن اركب اليمّ على خشبة واكتشف العالم. المغامرات تنتظرك، وجوف البحر واقف ليبتلعك عند أول منعطف. البحر غدّار فأحذر ركوبه، وإن أبحرت فثق به ليردّك، بإذن الله، كما أعاد يونان من جوف الحوت.

أمام بيت كولومبس الوالدي تسأل السؤال المصيري:  هل اكتشف كولومبس نفسه أم اكتشف قارة جديدة؟ ونحن هل نكتشف، في حياتنا،  أنفسنا أم نكتشف المدائن المنسيّة في قاراتنا الداخليّة؟!

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *