سجلوا عندكم

وجهي

Views: 32

د. جان توما

تَعِبَ وجهي من السّفر كلّما لبّى نداء الرحيل. يرسم العمر لوحاته في تجاعيد الملامح وتجويفات عبور الزّمن. كلّ الدروب التي مرّت من هنا كتبت أسماءها ورسمت معارجها، وبقي وجهي أليف الوجوه، ولكنه كان غريبًا عن وجهه.

ماذا فعلت الأيام بوجهي في غفلة الحروب التي أخذت نصف عمري؟  وما تبقّى ضاع بين وطن يبحث عن وطن، واستقرار يبحث عن استقرار، وأمان لم يجد أمانا، ولم يقع على أحلام اختبأت تحت وسادته مساء.

هذا وجهي مشرّع في وجه الريح، ” أخا سفر ، جوّاب أرض، تقاذقته الفلوات فهو أشعثٌ أغبرُ”. هذا وجهي يسكن العراء، ويلتحف السماء ليلا ، ويلبس ظلّه نهارا كي لا تسبقه أحلامه بخطوة.

هذا وجهي ووجعي بآن. تعرفه الوجوه ولو فقد نضارته، وغيًرته سنون العمر الذي مرّ. كم سقط وجهي على الدروب المطفأة المغبّرة؟ كم قام كالبدر كي لا يتعثّر من جديد؟ كانت عيناي قصيدتين من نور ، لكنّي حين لهوت بقطف حبّات التوت الطيّب نسيتهما على حافة السور، ورحت أبحث عنهما، وأدور وأدور . كان العالم قد أخذهما وجعلهما خرزتي عين كي لا يُصاب بعين حاسد أو بدعاء فاسد.

راحت عيناي من وجهي إلى وجهي. أخرجتاني معهما من عالمي إلى عالمي. عبرت معهما حدود البصر إلى مراعي البصيرة. صرت بهما وجهًا جديدًا في الأرض الجديدة.

لأول مرًة يأتي أحد، يغمض عينّي براحتيه، يسألني: من أكون؟ صرت أردّد أسمًا تلو الاسم. لم أذكر اسم صاحب الراحتين الذي أعرفه، كي لا يرفع راحتيه عن عينّي كي لا أبصر وحدتي، بل أتنعّم بلمسة آخر. (https://perfumesample.com) يكسر وحدتي، يعيد رسم وجهي لأرى الوجوه التي أحبّ.

 

(*) اللوحة للفنان حبيب ياغي

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *