الشاعر وديع ديب في ذكراه… يغمر الشعر والصمت والمنأى البعيد

Views: 842

سليمان بختي

 

مضت 26 سنة على وفاته وكان دائم الحضور في كتب الشعر وفي التعليم وفي الأبحاث. الشاعر وديع أمين ديب (1910-1995) وكان يلقب بالشاعر المهجري.

ولد في بلدة الخيام في جنوب لبنان والتي كان يحن إليها حنينا صادقا. تخرج من الجامعة الأميركية في بيروت وعلّم فيها لسنوات وعمل بالتدريس في معاهد بلدة مرجعيون وفي القدس وفي مدرسة البنات الأميركية وفي مدرسة السيدة الأورثوذكسية في بيروت. إضافة إلى إلقاء الأحاديث الأدبية في الإذاعة اللبنانية وخصوصا تلك المتعلقة بالأدباء المهجريين والأدب المهجري.

نال درجة الماجستير من الجامعة الأميركية عن أطروحة عنوانها “الشعر العربي في المهجر الأميركي” (1945).

له في الشعر :” قلب يغني” (1951) ويقول في توطئة الكتاب :” لا أنتظر منك يا أخي أن تعجب بهذا اللون من الشعر. كما لا أنتظر منك أن تنفر منه كل النفور، لأن الشعر إستجابة لرغبة من الرغبات”. أما الإهداء فإلى القلوب التي تؤمن بالخير والجمال. ويقول صديقه حنا فرحه “أن تدريس وديع ديب للأدب كان تدريسا يرتكز على النقد وتذوق الأدب”. و” غيوم ظامئة” (1957)، و “الموجة الضاحكة” (1995) وله مخطوطة شعرية بعنوان “الينبوع الظامئ”.

وله مسرحية في ثلاثة فصول بعنوان ” نساء وأفاعي” (1946) و”أمين الريحاني على ضوء نتاجه الأدبي” (1945)، و”الشعر العربي في المهجر الأميركي” (1955) و”نحو جديد” (1959) و”الجديد في شعر مطران” (مجلة الأبحاث).

 

كما نشر العديد من القصائد والمقالات في الصحف والمجلات اللبنانية وخصوصا مجلة “الأديب” ومجلة “البيدر”.

وديع ديب شاعر وجداني يتنوع شعره بين إلتزام الوزن والقافية والتنوع في القصيدة الواحدة مع الميل إلى الإيقاعات السريعة الرنانة. تميز ديب بكتابة القصائد القصيرة التي تدور كل منها حول فكرة أو موضوع دال أو عنوان معبر. قصائد تفيض بالمشاعر والأحاسيس والتساؤلات الفلسفية العميقة.

خاطب وديع ديب في شعره المرأة الأم والمرأة الحبيبة والمرأة الأخت والمرأة الصديقة والرفيقة. واستطاع أن يبني نموذجا شعريا يخصه وحده ومن صنع خياله وهمومه وأحزانه.

كما له قصائد صور فيها نماذج بشرية من الحياة العامة قاربها فلسفيا معتمدا المقارنة السريعة واللاقطة والمكثفة. في قصيدة “قلب يغني”، يقول:” أنا في دنيا التمني والهوى قلب يغني/ لن أكف الشدو حتى تفرغ اللذات دنّي”.

وفي قصيدة “الحباحب” يقول:” ناسك الليل، أما لليل آخر/ يرقد النجم وأنت ساهر/ أبدأ ألقاك لتصغي سادرا/ مثلما يستنزل الألهام شاعر”.

وله قصائد ضمت إلى كتاب ” الترانيم الروحية للكنائس الإنجيلية” و”ترانيم الإيمان” مثل “ربي إليك  الملتجى ” و” القرار”. وله قصائد ترجمت إلى لغات أجنبية عدة.

وكتب عنه جميل جبر فصلا مستقلا في كتابه “لبنان في روائع أقلامه” :” في زمن الحرب كنت ألتقيه إلى طاولة ميشال أبو جودة في مقهى الموكا في شارع الحمراء وبرفقة نبيل فليفل وطوني شويري. وكان دوما يحتفظ بصمته وتواضعه وإذا سأله الأستاذ ميشال رأيه رد بالإبتسام . وكان يداعبه ميشال أبو جودة بالقول :” الوديع الذي فيك تغلّب على الديب بالضربة القاضية”. وغالبا ما كان يستشهد بأبيات من شعراء المهجر. كتب قصيدة عن فيرزو نشرها في “الأديب” شباط 1962 وفيها يقول:” صوتها كالوحي في غمر النشيد/ كأزهار الضوء من نجم بعيد/ وكإرتعاش الطيب في جام الورود”.

تعرفه مدارس بيروت ويتذكر محمود شريح رفقة وديع ديب الذي “التقيت به في رحاب كلية السيدة الأرثوذكسية ( في شارع المكحول ، رأس بيروت) عند كنيستها ومدافنها على مطلّ   أميركية بيروت عام 1980. كان أستاذ العربية وكنت أعلّم القواعد الإنكليزية وغالبا ما نلتقي كل صباح عند إستراحة العاشرة على فنجان قهوة ومعنا أستاذ الفلسفة قيصر عفيف ومعلمة الأدب الإنكليزي لور نجار وأستاذ البيان نجيب سفري. هكذا على مدى العام الدراسي 1980-1981. ذات صباح دخل علينا وأهدى كل منا ديوانيه الشعريين وأطروحته في أميركية بيروت 1945 عن الشعر المهجري. أستاذ قل نظيره كما أخوه كامل ديب مدير الكلية آنذاك”. 

وديع ديب نتذكره يغذّ السير في شوارع رأس بيروت. يستعد لقصيدة تتنزل عليه. أو حديث في الإذاعة قبل أن يبعده المرض فينسحب إلى بلدته الخيام وينظر من نافذته إلى الأشجار التي نمت إلى ما لا نهاية وليغمض عينيه وفي نبض قصيدته “قلب يغني”. ولسان حاله يقول شعرا:” لست أخشى أبدا هول الردى/ وبقلبي قبس من أمل/ أنت هذا اليوم ماضي أو غدا /فتزود للمقر الأزلي / هكذا تجري مياه الجدول/ بإتجاه اليم في شدو الخرير/ هكذا تشتاق نفس للعلى/ فهي في شوق إلى البحر الكبير”.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *