سجلوا عندكم

الثورة … أو التقسيم أو الإنتحار

Views: 878

الوزير السابق جوزف الهاشم

 

لا تصرُخـوا ألَـماً ولا تتكلَّـموا    

لنْ يفهموا ، إلاَّ  إذا سُكِبَ الـدمُ

حكَموا ، وحُكْمُ الفاسدينَ فضائحٌ       

والعينُ ما خَجِلَتْ ولمْ يشبعْ فَمُ

إنْ لم تدكّوا بالحرابِ عروشَهُمْ      

صلُّـوا عليها دولـةً وتـرحَّموا .

                                    ج . هـ .

      ترحّموا عليها دولـةً ، وصلَّـوا عليه حُكْماً ، وانثُـروا الزهر على جُـثَّـةٍ متحـرّكة إسمها الحكومة ، تموت ماشيةً ولا تُـدفَن …

      الدولة تحتضر ، وأربابُها ينْظِمون موشحّات النـدْب ، يتنازعون حول مراسم الدفن ، بين أن تكون في الكنيسة أو في المسجد .

      القياداتُ عصابات يرتكبون الحرام ويدّعون على مجهول ، وبـدل أنْ يكونوا فارّين من وجـه العدالة ، تفـرُّ العدالة من وجوههم .

      ومجلس الأمّـة صفوفٌ من النمل تحمل حبوبَ القمح إلى زعماء أوكارها .

      أيّ وصـفٍ يبقى ، إلاَّ أنْ يصبح الجوعُ كالغول يلتهمُ الأرواح ، وتكاد معَـهُ الأمهاتُ تعضُّ على الأجنّـة في أرحامها ..

      الحـلّ … لا حـلَّ مع هذه الطبقة السياسية المدجَّجة بالفساد ، الحـلُّ بثورة شعبية جامعة ، وإلاّ … فالتقسيم أو الإنتحار .

      نعم … ثـورة ولكن أيّ ثـورة .

      هل هي ثـورة : “الشيعة شيعة ، والسنّـة سنّـة ، والمسيحية المسيحية ، والدروز الدروز …” أيْ إنها ثـورةُ الأنبياء على الأنبياء ، ولكل مجموعة ثـورةٌ ومطلبٌ وساحةٌ ومذهب ..؟

      أو هي ، تلك الإشراقة الثوريـة التي تجسّدت في السابع عشر من تشرين ، سلسلةً بشريـةً وطنية من عكار إلى صور … الأجسام متكاتفة ، والأيدي متماسكة ، والصرخة متّحـدةٌ فوق ما قسَّـم الحكمُ من أرضٍ وما شتَّـت من شعب …؟

      ولكن … الثورة بلا قيادة ، تـتحول إلى فوضى ..

      والثورة بلا قيادة حكيمة ، تقمع نفسها …

      والثورة بلا برنامج موحّـد وهدف مجـرّد ينطلق من وجـع الشعب وآلام المفجوعين ، تصبح تظاهرة ضجّاجة جوفاء ، ومسرحاً للغوغائية المدسوسة .

      الثورة الفرنسية ، مهَّـد لها ووَاكبها ما يُعـرف بعصر التنوير ، عصر الفلاسفة : منتسكيو ، روسو ، ديدرو ، فولتير .. وكان السياسي والصحافي والدبلوماسي “ميرابو” خطيب الثورة واحد إعلامها البارزين .

      في لبنان ، لا نحتاج إلى فلاسفة حيال فلسفة الموت ، بل إلى مناضلين أحرار … وإنَّ بين الذين حملوا لواء الثورة في لبنان مجموعة طليعية متحررة متعددة الخبرات والقدرات ، وهي مؤهلة للقيام بدور قيادي ووضع برنامج للثورة وهيكلية تنظيميـة لها ، هذه المجموعة تحمل مسؤولية استمرار الثورة ، وإلاّ فيُخشى أَنْ يكون الخيار الثاني هو التقسيم .

      نعم ، التقسيم وأرجو ألاَّ تُدهِشَكُـمْ الكلمة .

      قبل الثورة الفرنسية كان واقع فرنسا شبيهاً بما هي عليه حال لينان اليوم : مجموعة أقاليم : كلُّ واحدٍ يحكمه “دوق” أو “كونت” وكلٌ منهم يـدّعي حـقَّ حكم الإقليم وحـقَّ أبنائـه عليه  بالوراثة .

      والأشراف يتحصَّنون بقلاعهم وقواتهم المسلحة ، يبيعون جنـى أملاكهم ويتقاضون عليها الرسوم .

      لو لـمْ تحصل الثورة في فرنسا ، لاستمرّ حكم الكونتونات … وإن لم تستمرّ الثورة عندنا ، فلا خلاص من حكم الكونتونات ، أو من حكمة الإديب الفرنسي : ” ألبيـر كامـو ” : الذي “لـمْ يجـد إلاّ سبيلين للخلاص : الثورة ، أو الإنتحار ..”

***

(*) جريدة الجمهورية 12-6-2020

 

 

Comments: 1

Leave a Reply to ميشال جوزيف نعمة Cancel Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked with *