جسر التنهّدات

Views: 556

د. جان توما

تقف هنا، وأنت تعبر الرصيف إلى ساحة القديس مرقس في Venise في ايطاليا،  لتطلق تنهيدة فيما تحدّق عيناك بهذا الجسر الجامع بين مبنيين يعبر منه السجناء، فتلاحظهم أعين الزوجات والاولاد فيتنهدون لرؤية عبور أجساد مسجونة وأرواح مأسورة.

هنا يقف السائح، يتأمل الجسر الفارغ، يحدًق في عدد الوجوه التي مرّت من هنا مُتْعَبَةُ، مكسورة، ممزقة، موجوعة ليطلق تنهيدة من الداخل تنطلق كأجنحة متكسّرة، لذا أطلق على هذا الموقع: “جسر التنهّدات”.

ما هذا الطقس المتألم الموجع للعابرين؟ كيف تلتقي تنهيدة السائح مع تنهدّات كانت مند مئات السنين وبقيت هنا؟

تتجاوب تنهيدتك مع تنهيدات كثر مرّوا من هنا، ألقوا نظرة على هذا المعبور بين مبنيين. لعلّه الجسر الوحيد في العالم الذي يتنقل عبره الإنسان من أسر إلى آخر، ومن قضبان إلى قضبان، ومن قيد إلى قيد. لذا تأتي تنهّدات الواقفين هنا تردادًا لمن عبر هذا الجسر، من الموت إلى الموت، فيما المتنهدّون ينهدّون أسى وحزنًا وكسرة خاطر.

من هذه العتمة خرجت التنهًدات من الصدور كنصل جارح الرئتين والحنجرة. كلّ تنهّد هو بحّة صوت وأنين ناي أو مزمار. ما هذه التنهيدة التي تلملم وجع الأحشاء واضطراب الشرايين لتخرج محمّلة بنسائم الألم ورياح الحنين فوق جسرٍ افتراضيٍّ قائمٍّ على الرّجاء؟.

في حضرة التنهّد أنت ترى عينين زائغتين، زادهما الأسر اصفرارا، وطوّقت المعاصم قيودا كما في الأرجل. كلّ التنهّد الذي تطلقه أمام هذا الجسر هو صلاة لعدالة في الأرض وحريّة لن تكتشف حلاوتها إلّا بعد أن تلجَ ساحة القديس مرقس، حيث الحمام يحكي لك قصص من مرّوا من هنا وتنهّدوا في انتظار لم ينته فصولا.

إن مررت يومًا ، من هنا، تنهّد، فستسمعك آذان من كان يعبر الجسر قديمًا، إذ بسماعه صوت زفزة هواء لأحد …..شعر بالحياة، إذ ” هو  عصفورة الشّمس ، زهرة الحريـّـة، وردة المسافة، مربى الحفافي ، مكتوبة ع دراج .. مكتوبة ع جسورة الميّ”.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *