حنيات الروح

Views: 72

د. جان توما

حين تصير كتابة التاريخ قناطر من ذهب، تتوالى حنياتها في ترتيب أرضي أو كتراصف نجوم السماء.

في جامع أو كنيسة قرطبة أو أيّ اسم آخر تتضحّ لك اللمسة العربيّة الفنّية، وعجائب الهندسة العمرانيّة التي خطّها الحرفيون العرب في تلاقح مع فنون الهندسة الأوروبيّة لتظهير أثر متمايز بحجارته وقناطره، وانعكاس ألوانه في ورشة عمارة استمرت قرنين ونصف قرن تقريبا (٧٥٤ م-٩٨٧ م).

كيف استطاع المعمرجيون الإسبان والعرب أن يتآلفوا في بناء هذه “الحضرة”، وأن يستكمل، كلٌّ في زمن حكمه، هذا النسق  العمراني المتكامل في معزوفة هندسيّة،  متناسقة المقاييس، والمسافات والمساحات.

هذا أثر يشهد لتكامل حضاري في مجال الفنً العمراني الراقي، وقي تظهير براعة الفنّ التقني الإسباني والعربي، ولتعدّد النظريات الهندسيّة في حفظ التنوّع في وحدة معمارية متناسبة الأبعاد، والحضور التاريخي الذي يؤكّد عظمة المعماريين الذين ساهموا في وضع آية جامدة، ولكنها ناطقة بحضورها الجمالي الأخّاذ.

أهم ما يميز هذا الجامع/ الكنيسة، ويجعله فريدًا في تاريخ الفن المعماري، أنّ كلّ الإضافات والتعديلات وأعمال الترميم، كانت تسير في اتجاه واحد وعلى وتيرة واحدة، بحيث يتسق مع شكله الأساسي.

كلّ تاريخ الأندلس، الفردوس المفقود، تشعر به هنا. تنطق الحجارة الصمّاء بإنجازات التلاقح الحضاري على الصعيد العمراني. تحكي لك القناطر والأعمدة حكايات لا تنضب، وقصصًا راسخة في قلبك وبالك عن هذا الأندلس الذي كان، وتراه في كلّ مدينة اسبانية: اسمًا لمدينة، أو شارع، أو لقب أو ممرّ. كلّ الطرق تقودك إلى ” اندلوسيا” حيث غناء أهل ” التروبادور” تحت شرفات التاريخ العاشق لكلّ زخرفة ونقش في تلك الأمسيّات الملاح حيث “يكاد حُسنُ المَكان البهيج أن يُحيّينا، روضٌ أظلّه دوحٌ عليهِ أنيقْ مُورقُ الأفنان.

(https://flossdental.com/)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *