سجلوا عندكم

علَّةُ العِلَل

Views: 636

لميا أ. و. الدويهي

علَّةُ العِلَل «ما مِتِتْ، ما شِفت مين مات؟»… «الزواج صندوق مقفول»… «مفتكرين إنَّها أكلة حلو»…

وتتوالى الأمثلة والعِبَر التي تلفتُ النَّظر إلى قرارات، يحتاجُ الإنسان أن يَبُتَّ في شأنها، وتحديدًا في ما يخصُّ الارتباط الذي أقلُّهُ، وجبَ أن يمنحَ استقرارًا وطمأنينة…

عبارتان مهمَّتان، يتوقَّفُ مَصيرُ الإنسان عليهما: إستقرار وطمأنينة… هدفٌ قيِّمٌ، قد يعملُ الإنسان لبلوغِه حياةً كاملة وقد لا يُحقِّقه…

وتنتابُ الظُّنون والشُّكوكُ فكرَ الإنسان، عمَّا قد ينقصه لعدم تمكُّنهِ من تحقيقهما والولوج من خلالهما إلى مقرِّ السعادة بالإضافة إلى مشاعر أخرى تمنحُ سلامًا وثباتًا… العديد من الأشخاص يتسرَّعون في اتّخاذ قرارات مصيريَّة وكثيرًا ما تتعلَّقُ بحياةِ آخرين… لا يمكن التَّعميم، إلَّا أنَّ معظمَ القرارات المُتَّخذة باندفاع، قد تُكلِّفُ غاليًا، ربَّما عُمرًا بكاملِه…

أحيانًا نرى أزواجًا مُقبلينَ على الارتباط، يوحون بالانسجام وكأنَّ الحبَّ الأبديَّ الثابتَ قد حلَّ بينهم… وبعد سنين معدودة، كي لا أقول أحيانًا أشهرًا، تقع الشقاقات، فالصِّدام، فالانفصال…

ومرَّة أخرى، أؤكِّد على عدم شمل الجميع، وإلَّا لما استمرَّت أيّ عائلة بالتماسك، إلَّا أنِّي أحاولُ تسليط الضَّوء على بعضٍ من أسباب الفشل التي يمنُّ بها الكثيرون…

حاجةُ الإنسان لأن يشعر بالاهتمام والرِّعاية وتحديدًا الحبّ، تجعله ينجذب لأوّلِ مَن قد يُقدِّم له هذه العاطفة، فالإنسان يقضي حياته وهو يحاول أن يشعر بالاستقرار والطمأنينة اللذين يمنحهما الحب؛ وبسبب عدم الخبرة وأحيانًا عدم الثِّقة بالنفس، يندفع الكثيرون نحو «الحلم الورديّ» ويتسرَّعون بالدخولِ إلى «القفصِ الذَّهبي»…  وعند مواجهة أوَّل الصِعاب، يكتشف الثُّنائي بأنَّ الحياة ليست كما تصوَّرها وأنَّها أقسى ممَّا توقَّعها، وكأنَّه لم يشهد على المحن التي خاضتها كُلٌّ من عائلتَيهما لتَندثِرا أو لتثبتا فتكونا مُتًّحدَتَين وبالتالي لهما كيانٌ خاص، غير مُشوَّه يشهدُ لجماليَّة العائلة لأنَّها متَّحدة، قائمة على الحبّ والتواصل والمشاركة…

وهذه الحاجة للحبّ، هي علَّةُ العِلَل الأزليَّة التي غالبًا ما تدفعُ بالإنسان لاتِّخاذ قرارات أو للاقدام على مبادرات غير مَسؤولة، لتلقُّفِ قطراتٍ منه ولو شَحيحة، قد تكون مُدمِّرة كي لا أقولُ سامَّة ومُميتة… حينها يكون من الأفضل أن يبقى الإنسانُ وحيدًا بدونِ ارتباط، على أن يُسيء الاختيار… وإن نظرنا من حَولنا، لأدركنا بأنَّ هناك الكثير من الحبِّ والعطاء اللذين وجبَ منحهما، وإن عرفنا أن نخوضَ غمارَ الحبّ، إنعكسَ فرحًا في نفوسنا ليمنحَنا بالتَّالي استقرارًا داخليًّا وطمأنينة يُولِّدان قناعةً بأنَّ الحبَّ الذي نبحثُ عنه، قد يتحقَّقُ متى بادرنا بمنحِه للآخرين وحتَّى لأصغرِ المخلوقات؛ فليس الكلُّ مدعوٌّ لإنشاء عائلة، علمًا أنَّها أعظم عطيَّة من الخالق للإنسان، لأنَّها أشبه بالمهد الأوَّل والأزلي للحبّ…

ما أحاولُ قوله، إنَّ الحبَّ، الذي نحتاجه ليكونَ لحياتنا قيمة، هو أوَّلًا موجودٌ فينا، وإذا عرفنا كيف نمنحهُ أفاض بذاته الجوَّادة والإلهيَّةِ في آن، علينا وفينا…

ومتى أردنا تأسيس عائلة، وجبَ علينا أن نعلمَ بأنَّها دعوةٌ مُقدَّسة للعطاء، لبذل الذات، للحب بدونِ قيدٍ أو شرط، وهذه المجانيَّة لا تستطيع أن تثبت، إن لم يتشارك فيها الاثنان معًا، فهما سويًّا ركن العائلة، وليست المرأة دون الرَّجل، أو الرَّجلُ دون المرأة، هما اثنان يغدوان واحدًا… وإذا تلكَّأ أحد الطرفين لعلَّةٍ في نفسِه، سقطت تلقائيًّا أُسُسها…

وهذا يختلف حين يتمنَّعُ أحدهما عن تأديةِ دوره بسبب عائق قد طرأ، فالشريك القوي هو الذي يُبادر، لتبقى هذه العائلة ثابتة ومُتَّحِدة، بانتظار أن يستعيدَ الآخرُ قوَّتَه ويتغلَّبَ على محنته ويعاودَ مُمارسةَ دوره للمُضيِّ قُدُمًا في تحقيقِ التوازن المناسب لكلِّ عائلة…

ومَن لم يُوفَّق بتحقيق هذا الهدف السَّامي: «تأسيس العائلة»، وجبَ عليهِ أن يبحثَ عن مكانته في قلب العائلة الكبرى، أي الإنسانيَّة، وهناك، وبدونِ أدنى شكَ، سيجدُ الحبَّ الأسمى، الذي تتفاعلُ ذرَّاتُه في نسيجِ كلِّ الخلائق والذي هو علَّةُ الوجود والهدفُ المنشود لتحقيق الذَّات وبلوغِ أرقى درجات السعادة وبالتالي تحقيق الاستقرار والطمأنينة وراحة البال فسلام النَّفس والقلب… 

٢٢/ ٥/ ٢٠٢٠

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *