سيمفونية الملح

Views: 651

د. جان توما

حين يكتب الموج موسيقاه على الصخر المرتفع هنا وهناك، برتفع الزبد جدائل قصيدة مشغولة على وجه المياه.

كيف يدخل الموج عمق الصخر بلطافة ملحه؟ يحفر البحر بألسنته المائية عمق الحجر، يلج جماده، وينعشه بالماء المالح فيصيّره أشكالا وألوانا.

كيف يحتال البحر على الحجر الأصم؟ بل قل ما هي الكلمات الحلوة التي يهمس بها الماء في قلب الصخر فيذوبه غزلا وحنانا وحياء؟

ما هذا الحبّ الذي تقيمه الطبيعة بين الماء السائل والتراب الجامد؟ كيف تجمع بين عنصري الحياة من الداخل،وتكتفي بنار الشمس وهواء الريح من الخارج؟ كيف تستقيم أنشودة الحياة بين ما هو ليّن وما هو قاس؟ كيف يلتقي النقيضان؟ كيف يحوّلان بأنشودة اللقاء المشهد الجاف إلى مشاهد يختلف الناظر إليها في ماهيتها ومائها وصخرها؟

ما كانت الصخور هكذا، وما كان البحر إلّا مقاتلا شرسًا؟ خسر الصخر معركته لأنّه ثابت لا يتحرّك، يتّكل على ما كان عليه قديمًا، واثق من مواجهة الريح عبر الزمن، فيما البحر متحرّك الماء، طوّاف من الجهات الأربع، ثائر، متحرّر من الشواطىء، محارب، مقاتل.

تسنّنت الصخور من جرّاء صراع الصخرة الجلمود مع غزوات الموج المالحة. غيّر البحر أشكال الصخر وهيئاته، وأضاعت الشمس الظلال التي كانت تلقّب بها هذه الصخور. ضاع الظلّ فضاعت الحقيقة.

اختر أن تكون صخرًا أو موجًا، واصمد كموج البحر أمام الرياح، وكالصخر في صدّ امتداد الماء.

اختر بين التراب والماء، فيما تمتشق بقلبك نار الحياة وهواء نسيم العمر الجميل.

 

(*) الصورة للصديق هتاف خوري

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *