جان توما: عصفور الغصن… عزف على ناي الوجود
إيمان ريدان
هل أحدٌ يشاركني الرّأي في أنّنا حين نجلس إلى نصّ أدبيّ، قد نسهو.. ونحلم.. فنكافأ كاتبه على طريقتنا، بعد أن أصبح تجربتنا نحن.. ؟
نبقى في علوّ، نعود إلى حالتنا قبل تكوين الكلمات والنّطق بها، حالةِ الشّعور الّلذيذ حيال عوالمَ خارج هذا العالم، لا يجيد كثر الانفتاح عليها، والتّحليق في فضائها…
تغوص وتغوص صعودًا . مَن قال إنّ الغوص يأخذنا إلى أسفل؟! لا تريد لترنيمة العصفور وغصنه هذه أن تنتهي. ولا للعوالم المستدرجة هنا أن تتوقّف. أهذه هي الظواهرتيّة الّتي كان يتحدّث بها الفيلسوف هوسرل Husserl في الفينمينولوجيا، عن الاتّصال القائم بين الذّات والموضوع، وألهم من خلالها الوجوديّين فأسّسوا مذهبهم، بعد أن أضافوا إليه تساؤلاتهم الوجوديّة الكبرى، ثم أتى سارتر Sartre على وصف الظواهر بجزئياتها، يستنطق شجر الكستناء وجذوعها الضخمة المحبوكة في حديقة الّلوكسمبور، ويستجليها حكايات الوجود العابرة في أدواره المحكومة بالزّمن…؟!
إذا كان الشّاعر الحسّاس (ميشال طراد) حاكى الغصن/ نسغ الحياة، وحدّق بعينيّ عصفور ملوّن، محلّق في الأمداء، فرأى ما لا تراه إلا عيون العاشقين، وإن كان أتى بعده، مَن خلّد المناجاة ألحانًا وغناء من مدرسة الرّحابنة والصّافي، فإنّنا اليوم مع هذه المقالة للدكتور جان توما، نقع على مشهدية جديدة في عشق الوجود من خلال موازنات مبتكرة، وإشارات لمخزون ثقافيّ وصوفيّ جميل (بشارة حمامة السّلام وغصن الزّيتون لسفينة نوح، والنّون جرن معمودية التّكامل بين الغصن والحضن، همسُ الغصن في أذن العصفور)…صور مشغولة بحرفيّة، ورمزيّة موشّاة أبدًا بالحنين، مفاتيحها أودعت في أرض مسحورة بقيت في البال، ولكنّها الأرض المسروقة، المتغيّرة بفعل الزّمن ودورانه….وما مهمّة الأديب الشّاعر غير العزف على ناي الوجود واسترجاع النّوتات المفقودة ؟!