بين الحضارة والتجارة

Views: 2

ماجد درويش

قالوا في معنى الحضارة إنها بذل المجهود من أجل تكميل النوع الإنساني وتحقيق التقدم، من أي نوع كان، في أحوال الإنسانية وأحوال العالم الواقعي. وعلى هذا فالحضارة هي فعل ما هو مميز خدمة لبني البشر، وهو ما يشعر الإنسان حقا بإنسانيته.

في القرن الثامن ميلادي شهدت بلاد العرب والأندلس نهضة حضارية مميزة طالت غالب جوانب الإنسانية، ومنها الطبابة، حيث ظهرت المشافي النوعية (البيمارستانات) التي ملأت العالم الإسلامي يومها من بلاد الشام حتى الأندلس في شبه الجزيرة الأيبيرية، وكانت تقدم خدماتها مجانا دون أي مقابل، ذلك أنها كانت تمول من أوقاف تخصص لها.

المستشرقة زيغريد هونكة

 

وخير من يحدثنا عن رقي الطبابة في تلك الفترة، شاب إفرنسي حمله تاجر أندلسي إلى قرطبة لمعالجته من مرض شديد ألم به. وكان والد هذا الشاب قد أرسل إلى ابنه رسالة تظهر فيها حيرته في أمره: كيف يفعل ليسدد تكاليف الاستشفاء، وهو راعي الغنم البسيط. فكانت المفاجأة في الجواب الذي بعث به الولد إلى أبيه يطمئنه ويبشره. (https://mrghealth.com) قال له فيه:

«تسألني إن كنتُ بحاجة إلى نقود! فأخبرك بأني عندما أخرج من المستشفى سأحصل على لباس جديد وخمسِ قطع ذهبية حتى لا أضطر إلى العمل حال خروجي مباشرة  فلستَ بحاجة إذن إلى أن تبيع بعض ماشيتك، ولكن عليك بالإسراع في المجيء إذا أردت أن تلقني هنا».

ثم أخذ يشرح لوالده كيف عاملوه في المستشفى، قال: «وأما أنا فلقد سجلوا اسمي هناك بعد المعاينة، وعرضوني على رئيس الأطباء، ثم حملني ممرض إلى قسم الرجال، فحممني حماما ساخنا، وألبسني ثياباً نظيفة من المستشفى».

 

هذا المستشفى الذي فيه «مكتبة ضخمة، وقاعة كبيرة حيث يحاضر الرئيس للطلاب.. وقاعة كبيرة للنقاهة تعزف فيها الموسيقى الجميلة، ويمضي البعض وقتهم بالمطالعة».

ومما قاله لوالده: إنه لما قال له كبير الأطباء بعد شفائه أنه سيخرج قريبًا، كَرِهَ ذلك «فكل شيء هنا جميل للغاية ونظيف جدًا، الأسِرَّة وثيرة، وأغطيتها من الدِمَقْسِ الأبيض، والـمُلاءُ بغاية النعومة والبياض كالحرير، وفي كل غرفة من غرف المستشفى تجد الماء جاريًا فيها على أشهى مايكون وفي الليالي القارسة تُدفأ كلُ الغرف. وأمَّا الطعام فحدث عنه ولاحرج!! فهناك الدجاج أو لحم الماشية يقدم يوميًا لكل من يسعه هضمه»

 ثم ذكر له أن «جارا له في المستشفى ادعى المرض الشديد أسبوعا كاملا أكثر مما كان عليه حقيقةً رغبةً منه في التمتع بشرائح لحم الدجاج اللذيذ أياما أخرى». انتهى.

 

هذه الرسالة جاءت في كتاب (شمس الله تشرق على الغرب) للمستشرقة الألمانية سيغريد هونكه تحت عنوان: (مستشفيات مثالية، وأطباء لم يرَ لهم العالم مثيلا). أذكرها لكم فقط لنعلم أنه في يوم من الأيام كانت الدنيا بألف خير..

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *