مهرية الأغلبية: أميرة من نساء المجد الضائع

Views: 924

 أسماء الشرقي 

(كاتبة من تونس)

 كما تضمنت المدونة التاريخية في القيروان شعراء فطاحلة خلدوا ذاكرة امة بأكملها ،  فقد كانت هنالك شاعرات أسّسن من خلال ما تركن من آثار ومآثر مناقب جمّة جعلت من المرأة التونسية عبر التاريخ تنآى عن كل نساء عصرها ونحن اليوم سنتحدث عن الشّاعرة مهرية الأغلبية .

هي كما عرّفها الباحث التونسي حسن حسني عبد الوهاب في كتابه ” شهيرات التونسيات” بالأميرة مهريّة بنت الحسن بن غلبون التّميمي ، نشأت أواسط القرن الثالث للهجرة بمدينة رقّادة قرب مدينة القيروان في عزّ ورفاهيّة ، وكانت من الأسرة الأغلبية الحاكمة لإفريقيّة وتربّيت ونشأت في تلك البيئة الرّاقية وتلقّت العلوم والأداب من تِربها حتّى أتقنت اللّغة العربية ونبغت في القريض ،كما أشادت قريحتها الشعريّة بما يكنّه صدرها من الخواطر اللّطيفة والعواطف الشّفيفة ، واشتهرت في عصرها بالأدب الغض  ووُصِفَ نظمُها بالجودة والإتقان .

ورغم ما تركته الاميرة مهرية الاغلبية من أشعار ونصوص تصف فيه بدقّة الدور المهم الذي لعبته المرأة في  عصرها لتقويم صالح الامور بين افراد مجتمعها وتأهيل بطانة الشعب الخاصة والعامة بالعلوم والآداب من خلال انشاء  وعقد حلقات علمية وادبية تحرص على نشر محاسن الأخلاق .إلا ان التاريخ لم يحفظ من هذه المآثر إلا ماتناقله الذاكرة الجماعية من حكايات وأوصاف لهذه الشخصية .

ويذكر ان ما وصلنا من شعرها قيل في اخيها الشاعر الزاهد ابي عقبال بن غلبون الذي ترك القيروان وهاجر الى مكة ليكون مجاورا لبيت الله الحرام ، قد كتبت اليه اخته مرارا تدعوه للعودة الى الديار الا انه لم يستجب لطلبها فأرسلت اليه شفويا مع زوار الديار المقدسة قائلة :

” بحقّ الثدي الذي  رضعته معك إلاّ أريتني وجهك قبل أن الموت وفراق الدّنيا !ما لك ؟ في حين صباك وجناياتك وكثرة ما كان يطرأ علينا بسببك كنت عندنا وحين صرنا نفتخر بك ونتبرك برؤيتك فارقتنا ؟ فأجاب رسولها: قل لها ما كنت لأدع بلدا عرفت الله عزّ وجلّ فيه وأمضي إلى بلد عصيت الله تعالى فيه وأخشى أن تقتضيني العوائد” .

ومن الطرف التي يناسب ذكرها هذا المقام والتي وردت في كتاب “شهيرات تونسيات”  والشّيء وبالشّيء يذكر عن ما إتّفق عن عقال شقيق شاعرتنا فقد كان هذا الأخير في صغره ماجنا خليعا  على عادة الشّبان في كلّ زمان ومكان ، فعنّ له مرّة أن يحضر عرسا لبعض أقاربه من بني الأغلب والحال انه لا يسمح للرجال ان يدخلوا مخادع النساء او يستكشفوا حوائجهم فتزن بشكل إمرأة ليخفي جنسه ودخل على تلك الصّورة بين النّساء ولم يتفطن إليه أحد ،لكن بعد ساعة فقدت إحدى المدعوات درّة ذات قيمة عالية فأمرت صاحبة العرس بغلق الباب وتفتيش كلّ الحاضرات وكان شاعرنا بينهم فأخذ منه الجزع والخوف مأخذا كبيرا وقال أبو عقال على لسانه : ” فتُبت الى الله عزّ وجل ّعلى فعلي .وتمادوا في التفتيش حتى لم يبق بالمنزل إلاّ أنا وإمرأة واحدة وي ترادفني وتريد أن تكون ورائي ، وأنا أدفعها إليهنّ إلى أن أخذوها إلى أن أخذوها فوجدوا الدرّة معها فقالوا لي :إنصرفي يا هذه المرأة .فخرجت وأنا أرتعد خوفا وخجلا فأزلت الخفّ والمِعجر والرّداء التّي كانت عليّ من زيّ النّساء وتماديت على التّوبة”.

ويُذكر أن الشّاعرة مهريّة الأغلبيّة قد ذهبت حيث أخيها وأقامت عنده حتّى توفّيت في حدود سنة 295 هجري ,وبقيت أبياتها المشهورة في رثاء أخيها والتي وجدت مكتوبة على قبره ونصّها الآتي :

ليْتَ شِعري ما الذّي عانَيْتُهُ         بعدَ طُولِ الصّومِ مع نفْي الوَسَنِ

 مع غُرُوب النَّفسِ عن أوطانها      والتّخلّي عن حبِيبٍ وسَكنْ

يا شقيق ليس في وجدٍ به           غلّة تمنعني من أن أجن

 وكما تُبلى وُجوه في الثّرى        فكذا يُبلى عليّهن الحـــزن

هي أميرة وشاعرة  تونسيّة من نساء الزمن الضّائع الذي خلّد حقبة تاريخية وأغفلت مراجعه ذكر مناقب  أناس حفروا بما قدّموه لمجتمعاتهم حضارة سامية المعالم ومآثر دائمة الأثر .

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *