نقيب المحرّرين جوزيف القصيفي: طلبت من الصحافيين عدم المثول أمام مكتب الجرائم وإلى أيّ محكمة غير محكمة المطبوعات

Views: 589

دارين حوماني

“لا أحب أن أطلق وعودًا كي لا تحصل الخيبة”، تختصر هذه الجملة التي قالها نقيب المحرّرين جوزيف القصيفي في إحدى لقاءاته السابقة الجهود التي يبذلها من أجل النهوض بقطاع الصحافة والاعلام وتعزيز العاملين فيه، وتعكس مدى شعوره بامكانية الخيبة في بلد يخسر مؤسساته الصحفية بالتتابع ويُلاحَق صحافيوه بعنف تامّ. عمل جوزيف القصيفي في الصحافة والإذاعة منذ العام 1972 في عدد من الصحف والمجلات اللبنانية منها السفير والنهار وإذاعة “صوت لبنان”. أصدر كتاب “عوامل وإعلام النهضة العربية في القرن التاسع عشر” وقريبًا سيصدر له “موجز تاريخ نقابة محرّري الصحافة اللبنانية”. عن قطاع الصحافة والاعلام في لبنان والعاملين فيه كان لنا معه هذا الحوار:  

معاناة نقابة المحرّرين هي جزء من معاناة لبنان الكاملة، وقد جئت إلى نقابة المحرّرين منذ عام مع آمال كبيرة، هل من مشروع قائم لتصحيح ضعف ما أو للنهوض بالنقابة للقيام بدور فعّال حيث يجب أن يكون؟

عندما انتخبت نقيباً لمحرري الصحافة اللبنانية على أثر معركة سادها تنافس ديموقراطي لم  تشهد النقابة مثيلاً له منذ العام 1968، عكفت وأعضاء مجلس النقابة، وهم من الوجوه الصحافيّة والاعلامية المعروفة الذين يحملون تجربة مهنيّة ونقابيّة طويلة ، ويشهد لهم بالتمرّس والإحاطة بشؤون المهنة وشجونها، على وضع خطة طموحة تتسّم بالشموليّة، من أجل النهوض بقطاع الصحافة والاعلام وتعزيز العاملين فيه، والإفادة من هذه التجربة لتجاوز نقاط الضعف وسّد الثغر، ورسمنا آلية تحرك في إتجاه كل المرجعيات المعنّية. لكن الوضع الاقتصادي البالغ التردّي، ونشوب الاحتجاجات الشعبيّة في السابع عشر من تشرين الاول في غير منطقة من لبنان، والضائقة المالية التي وضعت البلاد على شفير الانهيار الشامل، وتبدّل الأولويات لدى الحكومة، والتراجع المادي الكبير الذي أصاب المؤسسات الصحافيّة والاعلامية، فرملت إندفاعة النقابة، لكنها لم تفّت من عضدها، ولم توهن عزيمتها، وهي تتابع عملهـا – بامكانات الحّد الأدنى – في ظّل تضاؤل الفرص، خصوصاً أن النقابة تسيّر أعمالها بقدراتها الذاتية المحدودة. فهي نقابة وطنيّة لا تتلقى مساعدات من جهّات خارجيّة، ولا تمويلاً من هيئات دوليّة، باستثناء ما يرصد لها في موازنة وزارة الاعلام من خلال الموازنة العامة. علماً بأن رسم الإنتساب إليها، كما رسم الاشتراك، زهيد جداً مقارنة بالنقابات الأخرى التي تفرض على المنتسبين إليها رسوماً عالية، وتوفّر لنفسها مداخيل مما تقتطعه من إيرادات من خلال الرسوم التي تستوفيها بنسب مئوية من المعاملات العائدة لقطاعاتها. ومع ذلك، فإن النقابة تجتهد لتصحيح الوضع، كي تتمكن من إداء دورها على أكمل وجه.

هل من اقتراحات معيّنة لتنظيم قطاع الاعلام الذي تحكمه قوانين ربما وَجَب تحديثها؟ 

شاركت النقابة في وضع مشروع قانون يعدّل أحكاماً في قانون المطبوعات لجهة انشاء نقابة المحرّرين، تضمن تعديلات جوهرية، منها فتح باب الانتساب أمام العاملين في الاعلام المرئي والمسموع والالكتروني، بعدما كان الأمر مقتصراً على العاملين في الصحافة الورقية. كما نصّ المشروع على استقلالية النقابة. هذا المشروع جاء ثمرة تعاون بين وزارة الاعلام ونقابة المحررين، وأُحيل الى مجلس الوزراء في أيار 2017، إلاّ أنه سحب لأسباب لا أريد الخوض فيها الآن. وأن العمل جارٍ لإحالته إلى الحكومة بعد تعديلات أدخلت عليه. كذلك، فإن النقابة قدّمت اقتراحات الى وزارة الاعلام، تتهيّأ لدرس مشروع قانون الاعلام الذي تعدّه لجنة الإدارة والعدل النيابية، وتوصّلت الى مجموعات من الافكار ترمي الى تحديث هيكلية الاعلام في لبنان، وتحديثه بما يتلاءم مع التطور الهائل الذي أصاب هذا القطاع، مع الحفاظ على الحرية باعتبارها أولوية مطلقة، والعمود الفقري للمهنة.

نقيب المحرّرين جوزيف القصيفي

 

رغم التطوّر الرقمي والتكنولوجي وقوة حضور الاعلام الالكتروني لا يزال العاملون في الاعلام الالكتروني يعانون من عدم مساواتهم مع العاملين في الصحافة الورقية، حتى من ناحية الانتساب إلى النقابة، لماذا؟ 

لم تعد هناك عدم مساواة بين العاملين في المواقع الالكترونية والعاملين في الصحافة الورقية لجهة الانتساب الى النقابة. وفي الجدول الأخير للنقابة انتسب عدد كبير من هؤلاء وهنا يجب التمييز بين المواقع الالكترونية التي لديها الطابع المؤسسّي والتي تؤدّي عملاً اعلامياً يعتمد التوصيف المهني الصحافي والاعلامي هو في نظرنا من تكون الصحافة والاعلام مصدرًا وحيدًا ورئيسًا لعيشه. وهذا بالطبع لا يشمل مواقع التواصل الاجتماعي والمدّونين على المنصّات المختلفة.

ثمّة تجاوزات عديدة من قِبل الاعلام الالكتروني للأخلاقيات الإعلامية وخصوصاً مواقع الأخبار العاجلة، ما يتسبّب في نشر مواد غير دقيقة، هل من عمل لتنظيم ذلك؟ 

إن هذا الأمر يضبط من خلال قانون المطبوعات في انتظار صدور قانون الاعلام الموعود. وإن المرجع المؤهل للبت في أيّ تجاوز هو محكمة المطبوعات.

لماذا وجود لجنة مشتركة بين نقابة الصحافة ونقابة المحرّرين لاختيار المقبولين للانتساب إلى نقابة المحرّرين، ألم يشكّل ذلك عائقاً في مكان ما؟ ولماذا يٌقفل باب الانتساب الى نقابة المحرّرين لسنوات طويلة، أليس من إجحاف في ذلك بحق صحافيين عديدين لهم دورهم البارز في العمل الصحفي؟ 

باب الانتساب الى النقابة غير مقفل، وإن مئات الصحافيين والاعلاميين انتسبوا الى النقابة منذ العام 2012 الى اليوم. أما  لجنة الجدول المشتركة بين النقابتين، فقد نصّ عليها قانون المطبوعات قيد التعديل.

العمل الاعلامي في لبنان غير واسع وهذا ما يُجبر الخرّيجين من كليّات الاعلام للقبول بشروط قاسية أحياناً وبدوامات عمل جزئية وبشروط الاستكتاب وبعدم الانتساب إلى الضمان الاجتماعي وغير ذلك، هل من آلية مقترحة لمساعدة هؤلاء الصحافيين؟ 

إن النقابة سعت وتسعى لتحسين أحوال الصحافييّن ولديها آلية لذلك، وإن القوانين واضحة لجهة حقوقهم، وهي دائماً تطالب أصحاب المؤسسات بإحترامها. وكثيراً ما تجري إتصالات بهم لرفع ضيم أو غبن. وتقدّم لهم المساعدة القانونية في حال تعرضوا لأيّ إجراء مجحف. لكن قطاع الصحافة والاعلام يعاني كثيراً، وهو الى تراجع بسبب عوامل عدة، منها ضمور المداخيل، وتراجع القدرة على الاستمرار، وذلك عائد للأحوال العامة التي تمّر بها البلاد. إضافة إلى تعدّد الاعلام وكثافة عدد الخريجّين في ظلّ عدم قدرة السوق على استيعابهم. وهذه نقطة في غاية الأهمية ينبغي التنبّه لها، والانكباب  على درسها.

 

اضطهاد الصحافيين وقمعهم واستخدام العنف ضدّهم باتت أمور متعارف عليها وخصوصاً في فترات الاحتجاج ما قد يعيقهم للقيام بمهامهم الصحفية ومن ضمنها التحقيق الاستقصائي عن منابع الفساد، كيف يمكن محاسبة من يتعرّض لهم ويعيق عملهم عبر الفعل وليس القول فقط؟ 

إن النقابة رفعت وترفع الصوت بصورة مستمرة، ويوميّاً أحيانا، ضد أي شكل من أشكال العنف والتضييق التي يتعرض لها الصحافيون. وترفض هذا المنطق في التعامل معهم. وطلبنا في  غير بيان صادر عنها، وآخر هذه البيانات في 29-6-2018، من الزملاء المستهدفين مراجعة النقابة وتزويدها بمعلومات عن الجهات المعتدية، وهوية المتطاولين، لتقوم بواجبها في الانتصار لهم لدى المرجعيات المختصة، وخلال الحراك كان للنقابة دور فاعل في هذا المجال، وهو موثق.

نلاحظ استدعاء عدد من الصحافيين إلى مكتب جرائم المعلوماتية أو إلى تحويلهم إلى محكمة غير محكمة المطبوعات، ماذا يمكن أن يتحقّق لحمايتهم ولمواجهة ذلك؟ 

طلبت من الزملاء المسجلين وغير المسجلين عدم المثول أمام مكتب الجرائم، أو إلى أيّ محكمة غير محكمة المطبوعات. وهذا ما هو جارٍ. وإن النقابة تصدّت بقوة لأي توجّه من هذا النوع. وأن الصحافييّن والاعلاميّين تجاوبوا مع طلبها، وأن القضايا تؤول بصورة تلقائية الى محكمة المطبوعات. وأيّ خلل في هذا المجال تواجهه بشدّة.

لماذا يحذّر نقيب الصحافة عوني الكعكي وسائل الاعلام من التعرّض إلى المصارف، أليس من مسؤولية الصحافة أمام المجتمع نقل الصورة الحقيقية لما يجري على الأرض وفي الخفاء؟ 

إن من مسؤوليّة الصحافة نقل الصورة الحقيقية لما يمثّل فصولاً على الارض من انتهاكات وهضم حقوق، وتلاعب بمصائر الناس، ومصادر رزقهم ومدخراتهم. وإن على الصحافيين والاعلامييّن أن يقدّموا على ذلك بكل شجاعة وايمان وحسّ بالمسؤولية الضميرية والأدبية. أما ما تنسبين للنقيب عوني الكعكي فبامكانك توجيه السؤال إليه، لأني لم  أطلع على مضمونه ولا علم لي به.

“موجز تاريخ نقابة محرّري الصحافة اللبنانية” هو أحد المشاريع القائمة لديك وسيصدر لك في كتاب،  ما هي الأسباب الحقيقية وراء قوة أو ضعف نقابة المحرّرين خلال تاريخها وحتى الآن؟ 

إني أعكف على كتابة تاريخ نقابة المحررين منذ نشأتها في 29 آب 1941 الى اليوم. ولدي الكثير من العمل والبحث في هذا المجال. وعندما أنجز الكتاب، سيكون هناك فصل كامل يحدّد فيه نقاط القوة والضعف طوال تاريخها. ولا شك أن هناك محطات مضيئة ومشرقة، كما أن هناك قصوراً. ولكل مرحلة من  المراحل أسبابها الذاتية والموضوعية. على أن الخلاصة ستتضمن رؤية استشرافية لمستقبل الاعلام في لبنان.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *