الإعصار 

Views: 113

د. جان توما

حين يصبح العصر إعصارًا تفقد فيه القدرة على تذكّر اسم اليوم الذي أنت فيه، وتفقد القدرة على تمييز الوجوه بسبب الأقنعة أو المواجهة عبر الشاشات للاتصال أو التعليم أو عقد مشاريع عمل.

في الإعصار أنت تبحث عن مربط لجسدك، تحت الأرض أو فوقه، المهم أن تختفي من أمام وجهه. ما هذا الإعصار الذي صرنا فيه وإليه، يبحث عنك ليبلبلك ويدوّخك ويجعلك هاربًا وخارجًا عن قانونه، فيلاحقك كما يلاحق الشراع اتجاه الريح.

كان موفقًا” ماريو سابا” (١٩٥٢- ٢٠١١) في قطعته” الإعصار” المرفوعة في مدينة الميناء بتمويل من مؤسسة ” نار كومبيوتر” منذ عام ١٩٨٥ في مواجهة البحر،  إذ اختصر الإعصار الآتي بتراكم شاشات الكومبيوتر وبعض الأدوات العصريّة التي تتحكّم بإنسان اليوم، وتحوّله من تراكم مشاعر إلى ركام من الحديد المصنّع ليطلّ من شاشة إلكترونية يضربها لاحقًا الصدأ لتتراكم في التعبير عن إعصار ضرب العالم وهدّه.

كان المرء في المجتمع الزراعي يخاف من المطر الشديد والريح الهوجاء كي لا يفسد زرعه، كما كان الصّياد البحري يخشى العواصف والرعود كي لا تنقطع سبل العيش به، وهذا الخوف كان خارجيّا يحتمي منه ويتحسّب. أمّا اليوم فقد صار الإعصار بين يديك. (https://flathatnews.com) قطعة إلكترونيًة صغيرة تخرب الدنيا. يكتب سياسي كلمة فيردّ عليه آخر بكلمة فتقوم الدنيا ولا تقعد. ويمرّر أحدهم إشاعة فتدبً الفوضى، وإن عولج الأمر بقيت الشظايا تساهم في النزف حتى الضعف والسقوط.

صار الإعصار فيما بيننا. نصنعه فيلتهمنا ويدمّر أشياءنا. صار الإعصار التكنولوجي اليوم كالتنين الذي نربيه ليأكلنا لاحقًا حين نحدق في عينيه. غريب نعامل التكنولوجيا بكلّ هذا الحنان، وفجأة تنقلب علينا وتخربط أشياءنا وتبلبل يومياتنا.

“ماريو سابا” ترك الإعصار هنا بعدما أخذه مع أحلامه، وبقينا نتأمل حلمه الرؤيوي على شاطىء اليوم حيث لملم عن رمله ما تبقّى من بقايا شاشات ورفع إعصارًا بوجه العصور المتعاقبة كصراخ فنان: أن انتبهوا من الآتي وهو أعظم.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *