معرض بيروت للكتاب ومدينة البدايات

Views: 709

سليمان بختي

عودة معرض بيروت العربي الدولي للكتاب في دورته الـ 63 بعد انقطاع ثلاث سنوات في ثلاثة أحداث عجاف: الانهيار الاقتصادي وجائحة كورونا وانفجار المرفأ هي عودة استثنائية في زمن صعب.

ولكن عودة بيروت الى التعافي يستحق الرهان. وتعزيز سبل التلاقي على الكلمة والكتاب والفكر والمعرفة يستحق الإقدام. والوفاء لتراث وهوية وتاريخ هذه المدينة التي أعطت الكثيرللثقافة العربية يدفعنا ان نبني على المقتضى. وأبعد، دعم كل مبادرة ثقافية في بيروت اليوم هو خطوة في الاتجاه الصحيح.

ولكن لا شيء يعطي للكلام معناه، ويفرح القلب ويعزز الأمل سوى حضور الناس بكثافة الى المعرض بما يشبه إعلان موقف يعبر عن الشوق الى حياة عادية طبيعية مضفورة بروح انسانية وحرية فكر وشغف البحث عن جديد في  حياة المعنى والروح او عن جديد او قديم في عالم الكتب والإصدارات .

نجم المعرض في هذه الدورة ليس النادي الثقافي العربي ولا نقابة الناشرين ولا الذين شاركوا او الذين قاطعوا بل نجم المعرض هم الناس الذين قالوا وفعلوا وحضروا وصنعوا المعرض والمهرجان والعيد وصنعوا الحياة الجميلة وكل ما سهى عن  بال السلطان.

كان لافتا ومؤثرا تدفق الجيل الجديد من الشباب والصبايا من القراء الجدد الذين يبحثون عن الكتاب بدأب النملة من دار الى دار.

كان لافتا ومؤثرا ان ترى العائلات تتدفق من كل مسرب وتتوزع على رفوف الكتب كل حسب ذائقته ومبتغاه وحرية تفكيره.

كان بالفعل مشهدا مؤثرا لتلك السيدة الثمانينية الزائرة للمعرض وهي على الكرسي المتحرك وتسألني عن العناوين وتتفحص الفهرس وتدقق الغلاف .او تلك السيدة التي تجر خلفها حقيبة السفر وتملأها بالكتب، ولا في البساتين. او تلك الوجوه الباسمة حين تلتقي بالندوات او الأمسيات او حفلات التوقيع.لا يمكن لهذه المشاهد والمواعيد ان ينساها المرء بل تحفر عميقا في ذاكرتنا والوجدان.

قد يسرقون اموالنا ويذلوننا في كل جوانب الحياة، ولكن هناك رأسمال رمزي تراثي وثقافي وحضاري يعيش في ضمائرنا وذاكرتنا ومعنى وجودنا ولن يقدروا عليه ابدا لأنهم دونه بكثير وفي هاوية أكبر من تلك التي توهموا أنهم يصنعونها لنا.

لم يكن معرضا بل شيء يشبه الشهادة لولادة جديدة لمدينة لم تعرف في تاريخها سوى النهضة والحرية رغم كل شيء.

ذات مرة كتب الباحث البريطاني روبن كروسويل “بيروت مدينة البدايات ومبدعة الحداثة العربية في القرن العشرين”. ومع هذا الضوء الناحل يولد بصيص الأمل بالعمل ويطرق معنا باب الرجاء لقيامة الوطن. 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *