عبق الذكريات

Views: 798

ماجد الدرويش

من حسن طالع مدينتي (طرابلس الشام) أنها استقبلت عام ١٩٥٩ فتى أغر، يرافق والده شيخنا العلامة الفقيه المُحَدِّث زين العابدين الجذبة، مدرس حلب، وخطيب جامعها الكبير، المولود عام ١٩١٠ والمتوفى سنة ٢٠٠٥ رحمه الله تعالى،  رحمه الله تعالى، الذي كان يحرص كل عام على زيارة طرابلس وارتياد مصيفها (سير الضنية) التي قال عنها يوما الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي رحمه الله: هذه قطعة من جنة الله في ارضه. وكان شيخنا رحمه الله يحرص على زيارة أصدقائه الطرابلسيين، وعلى الخصوص عالم طرابلس وشاعرها عمر بن عبد الغني الرافعي (١٨٨١ – ١٩٦٠) رحمه الله تعالى.

بطاقة معايدة بعيد الفطر أرسلها الشيخ عمر الرافعي إلى صديقه الشيخ زين العابدين الجذبة   منذ حوالى ستين سنة

 

 هذا الفتى الأغر كانت تتخايل على محياه علائم النجابة والمعالي، كيف لا، وهو سليل عائلة عريقة بالعلم والفضل والسؤدد والجهاد.

هذا الفتى الأغر،  الدكتور أحمد منير الجذبة، هو اليوم من ألمع أساتذة الهندسة في جامعة حلب، إن لم يكن ألمعهم، يجمع إلى تخصصه العلمي الدقيق: الفقه، والأدب، والعقل، والسؤدد… خصال ورثها كابرا عن كابر..

عن ذكريات زيارته لطرابلس كتب لي ما يلي:

ذكرياتي لطرابلس الشام تعود لعام 1959م يوم زرتها مع والدي الشيخ زين العابدين الجذبة خطيب الجامع الأموي الكبير ومدرس حلب وكان عمري ست سنوات ، كنت أتنسَّم من أسواقها القديمة عَبَقَ الفُّلِّ والياسمين ، وأرَجَ زهورِ البرتقال والليمون ،   كانت أحياؤها القديمة متَضوِّعة العِطر ، طيبة النَّشر ، من طيب ثراها ، وعَرْفِ ترابها ، ونسيم هوائها .

الدكتور أحمد منير الجذبة

 

وتضوَّعت أرواحُ طيبِ عَرْفِها…. تحيا به الأجسام والأرواحُ

كان كلُّ ما أراه من طرابلس الشام من جمال يعيدني لأذكر مدينتي حلب وأسواقَها وأحياءَها القديمة التي تُجْلَى عليها المعاني صورةً فصُورة، وتُتْلَى عليها آياتُ الفضل سُورة بعد سُورة.

لازلت أذكر أحياء طرابلس العريقة ، وأنا أمشي بأزقتها  ليزور والدي صديقاً له من “آل مرحبا”، (هو الشيخ المجاهد ناصح مرحبا رحمه الله تعالى) ، وصديقاً آخر أمد الله بعمره “الأستاذ الشيخ غالب سنجقدار” ،  لازلت أذكر المنتجع “سير” الذي كنا نرتاده مع عائلتي صيف كل عام .

 

 أكلل ذكرياتي الجميلة لتلك المدينة الجميلة أني تشرفت برؤية الأثير على نفْس والدي: القاضي الشاعر الشيخ عمر الرافعي ، أحببتُ السكاكر التي حباني بها وأنا صغير السن ، ليتجدد حبي لشعره وأنا في شرخ الشباب وريعانه :

ما أجمل قوله رحمه الله تعالى :

فَنظرَة من رَسول اللَّهِ تُلحِقُني

بِالسابِقينَ وَإن أَمشي عَلى مَهَلِ

 

هو الحَبيبُ وَمنهُ الحبُّ قَرَّبَني   

  وهو الشَفيعُ الَّذي أَرجوهُ يَشفَعُ لي

 

أوفر الشكر وأوفاه وأجلّه للدكتور الفاضل الأستاذ ماجد الدرويش ، نفع الله الأمة من علومه وفضله.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *