الأرض من فوق

Views: 420

د. جان توما

“كبادوكيا” المرتاحة إلى تاريخها. طرقاتها على قدّها الأثري وصوامع النسّاك ما زالت على بساطتها، وأيقوناتها تحكي سِيَر رهبان حفروا الصخر بأيديهم وعبروا بالحياة الخشنة إلى معارج الراحة الهانئة.

هنا في “كبادوكيا” بتركيا تعيد صناعة التاريخ، تتنفس مع النسيم حبيبات التراب التي سار بسطاء القوم وأتقياؤهم عليها.

تتلمّس ، وأنت تجول وفق دروب ترابيّة، ما بقي من رسوم أيقونات في منطقة صخريّة منسيّة، فتحسبها نابضة بالحياة، وقد صارت مقصد السائحين لحضور التاريخ حيًّا على الرّغم من قساوة صخوريّة الموقع ووفرة غباره وتوزّع العديد من المدن تحت الأرض  كأماكن اختباء عبر شبكات دفاعية معقدة وإبداعية للغاية.

ما زالت ” كبادوكيا” على طبعتها الاولى، وإن تطوًرت فيها بعض الخدمات السياحيّة كالمناطيد التي ترفعك إلى الأعلى لتعاين الأرض من فوق.

لا أعرف لماذا يطلع الإنسان بالمنطار ليرى المكان من فوق.  إنّ ملمس الأرض التاريخيّة أحلى، ووقوفك إزاء المحفورات وعظمتها قد يلهيك الطيران عن الالتصاق بها تأمّلا.أنت هنا تطير بأجنحة التاريخ فلمَ تخرج إلى العراء وتتغافل هنا عن أطياف العابرين من عصور إلى مطارح الضياء عبر غبار التراب ؟

تحلّق المناطيد الملوّنة لتضفي على الحجارة السمراء في صخور العبادة النسكيّة جمالًا فوق جمال، والطريف أن المناطيد تبحر في بحر السماء، فيما طيور اليمام تطوف بأمان على الدروب هنا، تقتات فتات الخبز من يديك لتطير بك خلف عالم المناطيد وأراجيح العيد.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *