من ذكرياتي الإعلامية: حكايتي مع الشاعر الكبير أحمد رامي، وما رواه لي عن عشقه وهيامه بأم كلثوم

Views: 1266

 نبيل غصن

خلال عملي الاعلامي الطويل، قابلت العديد من الادباء والمفكرين والفنانين من مختلف البلدان العربية، وسجلت معهم احاديث تتناول اعمالهم وشؤون حياتهم وشجونها، كانت تذاع من الاذاعات التي كنت اراسلها ومنها اذاعة لندن، واذاعة كولونيا بالمانيا، واذاعة ابو ظبي. ومن بين اشهر الشخصيات التي التقيتها (شاعر الشباب) احمد رامي.. العاشق المتيم بكوكب الشرق ام كلثوم، حيث تمكنت من أن احصل منه على الكتير من المعلومات حول بداياته ومسيرته وعلاقته العاطفيه والفنية بام كلثوم .

في أحد الايام تتصل بي الاديبه الصديقه ابريزا المعوشي وتدعوني لتمضية سهره شيقة مع الشاعر الكبير احمد رامي الذي ينزل بضيافتها وتريدان تعرفني به..

لبيت الدعوه طبعاً بكل سرور وجئتها، واذا بي التقي بشيخ جليل، متواضع، قريب للقلب، وتلقائي وصريح …. كانت جلسة لي معه ممتعه للغايه، غنية بالذكريات والمعلومات، خصوصاً متى عرفنا انه الشاعر المفضل عند “كوكب الشرق” وصاحب اكبر واشهر مجموعة قصائد غنتها له ام كلثوم في مسيرتها الغنائية .

سألت الشاعر الكبير عن بداياته، اجابني: انه في مطلع شبابه مارس مهنة التدريس، وبعد تخرجه من دار المعلمين، سافر الى باريس، وانتسب هناك الى جامعة السوربون حيث تخصص بتنظيم المكتبات والتوثيق والترجمة، وعندما عاد الى مصر، توظّف في سلك الدولة لعدة سنوات، كان خلالها لا يعنيه ويشغله غير اهتمامه في عمله،  واكثر ما كان يهواه هو سماع الموسيقى والغناء، وخاصة اغاني ام كلثوم بمطلع شبابها، وكانت له محاولات في كتابة الشعر والاحتفاظ به في دفاتره.

 

 وفي عام ١٩٢٤ سنحت له فرصة التعرف على ام كلثوم في احدى المناسبات الاجتماعية، فعلمت منه انه يكتب الشعر ولا ينشره، فطلبت ان يقدم لها بعضاً من قصائده، فرحّب بطلبها اشد الترحيب  وقدّم لها مجموعة، قرأتها  بشغف واعجبت باسلوبه السلس  وغناها بالصور الجميلة، واختارت اولى قصائدها منه التي نالت اعجاب المستمعين كثيراً وهي : “الصّبُ تفضحهُ عيونُه”.

 ومع هالاغنيه ابتدا المشوار الطويل مع ام كلثوم، بحيث بلغ مجموع قصائده التي غنتها ام كلثوم  ١٣٨ اغنيه .ُ

ولما سألته عن مدى تأثير ام كلثوم عليه عاطفيا، وعما اذا كانت تلك العاطفة قد ساهمت في ترجمة احاسيسه تجاهها من خلال كلمات اغانيه ؟؟. لم ينكر ذلك ابداً، بل اكد صدق تلك المشاعر وسعيه الدؤوب لايصالها اليها. 

واعترف بحبه لها الذي اصبح معروفاً ومشهوراً والذي يصرح بلا تورية بانه حب عمره الوحيد، لكن بقي هذا الحب مقتصراً عليه وحده، اي من طرف واحد… فقد صارحته ام كلثوم منذ البداية انها تحب فيه الشاعر وليس الرجل العاشق…!!

وقد تكون هذه الصدمه كفيلة بجعله يبدع بنظم اجمل الاغنيات لها.. وهذه الصدمة العاطفية لم تمنعه من استمراره بعشقه وحبه لها مدى العمر بالرغم من انه تزوج من غيرها، وهي تزوجت من غيره …

 وهنا مدّ الاستاذ رامي كفه امام عيني وقال لي: انظر الى هذا الخاتم في اصبعي، انه هدية من ام كلثوم عربون احترامها ومحبتها الاخوية لي، وانا من جهتي اعتبره عربون عشقي وحب عمري الاغلى.. فأنا احتفظ به منذ سنوات طويلة، ولا انزعه من اصبعي لا ليل ولا نهار…

وعندما سألت الاستاذ رامي عن اهم اغنيه ادتها ام كلثوم، يصف فيها مشاعر حبه لها بدقة وعمق، اجابني: جميع اغنياتي التي انشدتها ام كلثوم تعبّر عن حالاتي العاطفيه نحوها، وهي تعرف تماماً ذلك، لكن ابرز اغنيه تلامسني بصدق هي: “هجرتك يمكن انسى هواك / وودع قلبك القاسي”.

 

سألته عن مدى الاختلاف بين حب اليوم، وحب الماضي؟

اجاب: حب زمان كان مسكين عايش على الحرمان والتقاليد اللي كانت تحظر الاختلاط بين الجنسين، بينما اليوم  الحب اصبح سهل المنال وطلع للعَلَن وصارت وسائل التواصل اسهل وبتوفر للعاشقين كل السبُل… لكن في حالة الحرمان يبدع الشاعر اكثر ويتعمق في رسم الصور الشعرية.. فلكل زمان جمالو وشعرو واغانيه . 

كتب احمد رامي العديد من الاغنيات لكبار المطربين امثال: عبد الوهاب، وفريد الاطرش، وليلى مراد، واسمهان وغيرهم … وترجم عن اللغة الفارسية (رباعيات الخيام) وكتب العديد من المسرحيات، والتمثيليات المغناة للاذاعة .. لكن الأحب والاغلى على قلبه ما كتب لام كلثوم، فقد خلدت اغانيه بصوتها الجبار .

وعندما سألته عن شعوره بعد اجتيازه هذه المرحلة الطويلة من عمره الغني بالعطاءات الادبية والشعرية اجاب: انا اليوم في مرحلة الشيخوخة، اعيش مع ذكرياتي الحافله، وامضي معظم الاوقات وحيداً مع الكتاب، ومع الصوت الذي اشجاني بشبابي، واغناني بالحب في شيخوختي 

وتابع احمد رامي قائلاً: لكن اهنأ الاوقات وامتعها عندي ساعة اللي بيحيطوني اولادي بعاطفتهم وحنانهم، وساعة يفرفر احفادي من حولي زي العصافير، فمنهم جميعاً استمد الامان والحنان الى حين ما يأمر ربنا باستعادة وديعته وامانته .

هذه الجلسة الممتعة مع الشاعر الكبير احمد رامي اسعدتني واغنتني باعز المعلومات، علماً بأنها لم تكن الوحيدة مع (شاعر الشباب) لانه بعد سنتين عاد وزار لبنان، وحل كعادته ضيفاً عزيزاً على الاديبة الصديقة ابريزا المعوشي، وعند وصوله سألها عني وقال لها: “هوه فين الغصن النبيل صديقك ده، اطلبيه انا عايز اشوفو وامضي معاه سهره تانيه لأني أعجبت به وبصوته الجميل”.

وهكذا امضينا سهره تانيه حافله بشؤون وشجون الادب والشعر والاغاني والذكريات الغاليه التي تحتضنها ذاكرة احمد رامي، شاعر الشباب، بل الشاعر الانسان.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *