قَـلْـبٌ يكـادَ حُـبًّــاً أن يَـطـيـرَا..للشّاعرة يُسرىَ البيطار

Views: 73

الشّعرُ لَمْحٌ تكفيِ إشَارتُه..!

 د. محمّد م. خطّابي ( مدريد – اسبانيا)

تعليقاً على قصيدة “ولم أطلبْ كَـثيـراً…” للشاعرة اللبنانية المُجيدة الدكتورة يسـرى البيطـار، والتي نُشرت يوم الثلاثاء  فى 7 يناير 2015 في جريدة  “الأنوار” البيروتية الزّاهرة المُحتجبة  قهراً وقسراً ،والتي جاء فيها : “طَلبْـتُ الظّـلَّ .. لم أطلبْ كَـثيـرا/وَظِـلُّـكَ ليسَ مَلهًـى أو سَـريـرا/هو الإخـلاصُ يَمْنَـحُـني سُكـونًـا/كَوجْـهِ الأمِّ يَحْـتَضِـنُ الصّغيـرا/فَمـا لَـكَ لا تحِـنُّ على رِدائـي؟؟/تُـريـدُهُ مُـسْـتَـبـاحًـا أو قَصـيـرا/أنـا أحتـاجُ دِفـئًـا فـوقَ جسـمـي/وَلا أحـتـاجُ مـالاً أو حَــريــرا/رُجـولَـتُـكَ الوَسيمـةُ دونَ حُـبٍّ/كَمـا الأزهارُ إنْ نَـفَـتِ العَبيـرا/طَلبْـتُ الظِّـلَّ فـوقَ سماءِ روحي/لِـتَـفـرُشَ أنـتَ مَقعَـدِيَ الـوَثيـرا/نُجـومًـا لا تخـافُ مِـنَ اللَّـيـالـي/وَقَـلْـبًـا كـادَ حُـبًّــا أن يَـطـيـرا/وَزَهْرًا من عُيونِـكَ فوقَ صَدري/فَـلا عَـرشًـا تَـركْـتَ وَلا أميـرا/وَمجنـونُ الهَـوى أبهـى جُنـونًـا/إذا ما صامَ وَاسْـتَفـتى الضَّميـرا”، أقول:

هذه القصيدة تُبيّن لنا أنّ الشّعرَ لمحٌ تكفي إشارتُه، وليس بالهذر طُوّلتْ خُطبُه، مثل هذه الّلمحة الشّعرية المُوفيّة الجميلة الآسرة التي تدعو إلى الإعجاب حقاً، إنها تُعافي النّفوسَ المكلومة، وتغبط القلوبَ المعنّاة الحزينة.. ومضاتٌ نورانيةٌ جوّانية جاءت فى سَلاَسَةٍ، وأنسيابٍ، ورفقٍ، ورونقٍ، وبهاء، تنويعات وتريّة رخيمة متوتّرة، فوّارةٌ من ظمأ، أو نبعٌ رقراق يتفتّق من أعماق أعاميق نفس الشّاعرة العاشقة الأيّمة، الهائمُة، الولهانة، إنه شِعر يقطرُ شَهْداً وعِطْراً، ويندّ صَبَاً وصَبّاً وصَبابةً، يقطنُ فى الأعالي السّامقات، هنالك فى السّمت البعيد، جاراً للثريّا، والسِّماكِ الأعزل. نستأذن شاعرَتنا الرّقيقة، وأديبتنا الأنيقة، لنرتقي رويداً ..رويداً بأبيات قصيدتها الطليّة سلّمَ الشّعر الطويل، من أواخر كلماتها إلى أعلاها عمللاً بإيماءة الحطيئة، فالقصيدة من الرّوعة بحيث يُمكنك قراءتها من حيث تنتهي كذلك، إنّها تكاد تذكّرنا إلى حدّ مّا، من حيث المبنى، ببيت أبي الأسود الدُّؤلي الشّهير الذي يُقرأ من اليمين إلى اليساروالعكس، وَيَفيِ بالغرض ولا يتغيّر معناه، وهو: “مودّته تدومُ لكلّ هولٍ / وهل كلٌّ مودّتُه تدومُ”، فإذا قُرئتْ هذه القصيدة أيضاً من حيث تنتهي (أيّ من أسفل إلى أعلى) مع تعديلات بسيطة تكون النتيجة مُبهرة، وهاك الدّليل: “ضميراً إستوفى إذا ما صَامَا، مجنونُ الهوىَ بَهِيُّ الجُنُونِ، فما تركتَ أميراً ولاعرشاً، ولا عيوناً فوق صدري ولا زَهْرَا،  قلبٌ طار حبّاً أو كاد أن يطيرا، واللّيالي لا تخافها النجومُ، وَثيرٌ مَقعدي، وفِراشٌ أنتَ لروحي، وسماءً فوق الظلّ طلبتُ، عبيرٌ لم ينفِ الأزهارَ، وحبٌّ دون الوسامة رجولةٌ، لا حريراً ولا مَالاً أحتاجُ، دِفئاً فوق جسمي كلُّ ما أحتاجُ، قصيراً ومستباحاً ردائي تريده، فهلاّ عليه حنوتَ؟؟ صغيرٌ حَضَنَه وجهُ أمِّه، إخلاصٌ يمنحني سكوناً، ليس سريراً ظلّك، ولا هو مَلهىً، أنا كثيراً ما طلبتُ.. فقط ظلَّك طلبتُ “.!

يلاحظ القارئ  الكريم أنه قد تمّ الإحتفاظ بجميع الكلمات الواردة أو المذكورة فى القصيدة على وجه التقريب، ولم يُغيَّر فى هذا النصّ الأصلي الجميل شئ بالكاد إلاّ لماماً، وإنّما عمدتُ إلى قراءته من حيث ينتهي بضربٍ من الرّتق والفتق، فكان هذا الدّفق الجميل، وهذا التداعي العَذب المتخفّي داخل القصيدة نفسها.

ولكنّي مع ذلك لن أبخسَ الشاعرَة الرقيقَة، ولا القرّاء الكرام ، ولا القارئات الفاضلات حقّهم، وحقّهنّ  في أن يتباهوا أو يتباهيْن عن جدارةٍ، وأهليّةٍ، وأحقيّةٍ، وإستحقاق بعرض جمال هذه القصيدة وروعتها، لذا فإنّني أطَمْئِنُ الشاعرَة من جهة على سلامة هندامها القشيب ،وروحها البنديّة، وأنصحُ القارئَ من جهةٍ أخرى أن يعود إليها ليقرأها من جديد، عن رويّةٍ، وتؤدةٍ، وتأنٍّ، وأناة، وليستمتعَ بها على حالها كما أبدعتها قريحةُ فنّانة فذٍّة تمسك بناصية الشّعر، وتسبحُ بمهارة فى يمّه العميق، وتتسربلُ ببهاء سِحره، وسِرّه، وعِطره، وشفافيته ورقّته، .هنيئاً لشاعرتنا الصّادحة، وأديبتنا الرّاجحة د. يسـرى البيطـار وبارك الله فيها، وفي يراعها، وبورك حبرُ دواتها الرُّضَاب.

****

(*) د. محمّد محمّد خطّابي، كاتب من المغرب/ عضو الأكاديمية الإسبانية- الأميركية للآداب والعلوم- كولومبيا.

(https://thereader.com/)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *