حقيبة السفر

Views: 1683

د. جان توما

تذكرت، بعد تأثري بحديث مجموعة من الشباب عن الهجرة ،  تمثال “التلاشي في الغربة”، الذي نحته الفنان السوداني المهاجر محمد حسين على شواطىء مرسيليا لمهاجر يحمل حقيبته، وقد تآكل من مطارح عدّة، إشارة إلى أنّ المهاجر يفقد جسده وعقله وروحه رويدًا رويدًا، وتنتهي قصة الشوق إلى بلاده بموته غريبًا في أرض غريبة، ليحيا أولاده وأحفاده في بلاد يدينون لها بالمواطنيّة في التزام وتوازن واضح ما بين الحقوق والواجبات.

ينتظر المراقبون بعد انتهاء موجات الكورونا أن تبدأ موجات هجرة الشباب بعدما تقلّصت فرص العمل وأغلقت المؤسسات والشركات أبوابها، فيما الغصّة تخنق الشباب، وخاصة المتخرّج من الجامعات، وذاك الذي واجهته الكورونا والأزمة الاقتصاديّة القاتلة.

شبابنا اليوم عينه على ما وراء البحر، ويده على مقبض حقيبة السفر، أما الأهل فالعبرة على شفير الهُدُبِ فيما يضرعون، بخوف ورجاء، لفتح الطرقات والمطارات لرحيل فلذات أكبادهم كي يشعروا بالحياة.

ما زلت أذكر تلك المرأة اللبنانية العجوز ” حبّوبة” التي هاجرت بعد الحرب العالميّة الاولى لتحطّ رحالها في بيت عتيق بأحد أحياء مدينة بوسطن الأميركيّة. ما زال سؤالها يرنّ في أذني: ” كيف البلاد؟” قلت لها وقد انتهت حرب السنتين :” أنّه يستعيد حياته”. لم تتمكن ” حبّوبة” من العودة إلى لبنان. ماتت هناك في بلاد تتشوّق فيها إلى لبنان الذي هو ” البلاد”.

أكلت الغربة جسد “حبّوبة” واخترق عقلها وقلبها. خوفي أن يكون شبابنا على مثالها في الغياب القاتل عن أرض ” البلاد”، وأملي أن لا ترتفع بعد اليوم في بالهم فكرة ” التلاشي في الغربة”.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *