فيلمون وهبي يعود على صهوة الأغاني والزمن الجميل

Views: 38

سليمان بختي

 فيلمون وهبي (1918-1985)  احد أعمدة الفن في لبنان، و”سبع” الأغنية اللبنانية،  فنان ثلاثي الأبعاد، ملحن وممثل وصاحب اغان نقدية ساخرة…

ولد فيلمون وهبي في كفرشيما عام 1918 (بشرفي مواليد 1918 يقول للاعلامية ليلى رستم في برنامج “نجوم على الأرض”- تلفزيون لبنان) ودرس الابتدائية في كلية الشويفات ولكنه لم يكمل. خطفته الموسيقى فدرسها على يد سليم الحلو بشكل متقطع. عمل بالطرش والدهان مع ابن عمه بمنطقة المنارة – رأس بيروت. كانت بدايته في العام 1937 في غناء الموال البغدادي من إذاعة حيفا وغنّى في ملاهٍ ومسارح فلسطينية.

 

عام 1938، عمل أول سكيتش مع فيروز وعنوانه “زيت وزيتون”. اتجه إلى التلحين ولم يتعلم كتابة النوتة الموسيقية. كان يعزف على العود ويدندن أو يطرق على الطاولة. ولكن انطلاقته الأوسع كانت في إذاعة الشرق الأدنى مع نجاح سلام واغاني مثل: “على مهلك يا مسافر” و”برهوم حاكيني” و”ع نار قلبي ناطرة” و”شب الاسمر جنّني”. كان المصريون يسألونها: “إيه ده الإيقاع في والله والله وإيه والله ودخل الله”… “بدوي ولا إيه…” فيجيبهم: “ده ولا إيه خالص أُمّال”  وغيرها. لما سمع محمد عبد الوهاب ألحانه كتب له: “أنت فنان اصيل وطريق النجاح مفتوحة قدامك. هذه الألحان نابعة من حياة الناس ولأنها حقيقية تستقبلها الحياة بمعطف الاستمرارية”. 

ولما صنّفته الإذاعة ملحناً أثار الأمر مشكلة هو الذي لا يتقن تدوين ألحانه، فقال: “الدو ري مي وجّعتلي راسي ولمن قبلتني الإذاعة كملحن خلقت ضجة لها أول ولا آخر”.

في بداية الخمسينات اشترك مع الاخوين الرحباني ونصري شمس الدين وسعاد هاشم وعفيف رضوان في الإذاعة اللبنانية في اسكتشات واشتهرت بإسم “سبع ونخول”. وفي عام 1959 شارك بمهرجات بعلبك إلى جانب وديع الصافي وتوفيق الباشا وزكي ناصيف والاخوين رحباني ومحمد محسن، وشارك بمعظم أعمال الرحابنة لحناً وتمثيلاً وكانت أغانيه تردّد بعفوية على أفواه الناس. يروي فيليمون أنه أثناء مشاركته بمهرجانات الأرز كانت ثياب الممثلين توضع في أكشاك تحت الأشجار. (Alprazolam) وذات ليلة لبس فيليمون شرواله ودخل إلى المسرح وشعر أن شيئاً يتحرّك في الشروال، فصار يقفز ويتقافز على الخشبة ويصرخ: “في شي عم يمشي”. والناس غارقة في الضحك. ولما انتهى المشهد، زاره عاصي الرحباني في الكواليس لتهنئته على  الأداء والخفّة. فأجابه فيليمون: “الكرتيلة يا عاصي… الكرتيلة”.

غنّت له فيروز اجمل الألحان: “يا كرم العلالي” و”جايبلي سلام” و”ليلية بترجع يا ليل” و”من عزّ النوم” و”فايق يا هوا” و”يا دارة دوري فينا”، “صيّف يا صيف”، و”كتبنا وما كتبنا” و”طيري يا طيارة”، “يا مرسال المراسيل” (جائزة سعيد عقل) و”إسوارة العروس”، “البواب”، “يا رايح”، “يا ريت”، “طلع لي البكي” و”ذهب أيلول” وغيرها الكثير. ولكن الأغنية الأحبّ إلى قلبه كانت “أنا خوفي من عتم الليل”. والأغنية التي سحرته فيروز بأدائها كانت من “عزّ النوم”. عموماً، بدت ألحانه لفيروز مشدودة ومنضبطة ومصفّاة بالتوزيع الرحباني الأنيق والجميل. قال عنه منصور الرحباني: “ملحّن شعبي يعبّر عن روح البلد”. في ألحانه حنين وشجن. ومطرح ما بيروح بيحمل معو سطيحات كفرشيما. هو في طليعة الملحنين اللبنانيين. أما الأغنية الأحب إلى قلبي لفيروز “فايق يا هوا”.

وفي عام 1988 وبعد وفاته بثلاث سنوات سجلت له فيروز ثلاثة ألحان ولم يكن حاضراً بحسب الناقد جوزيف أبي ضاهر، وهي “بليل وشتي” و”اسامينا” و”لما عالباب منتودع”. وكان لصباح الحصة الحرزانة من أعماله كما شارك ممثلاً في بعض المسرحيات معها.

ومن ألحانه لصباح: “يا أمي طلّ” و”ما بيسايل شب واستحلى”، “يا إمي دولبني الهوا”، “يا رب تشتي عرسان”، “والهوا قليل الذوق”، “روحي يا صيفية”، “عيني ويا عيني” و”ع العصفورية” و”الباصرة” و”دخل عيونك حاكينا” و”مرحبتين” وغيرها ويقال انها بلغت 250 لحناً. أما هو فيقول عن ألحانه لصباح انها تولد بسرعة وعفوية والكلام والشكل والصوت من وحي أنغام الفرح.

 

لحّن لوديع الصافي العديد من الألحان ومنها “قالت بترحلك مشوار”، “حلوي وكذابي”، “دخلك بعزّ البرد”، كما لحّن لنصري شمس الدين “بحلفك يا طير بالفرقة” و”هدوني” و”على عالي الدار”. ولحّن لسميرة توفيق “يا هلا بالضيف” و”حبّك مرّ” وغيرها. وأعطى ألحانه لملحم بركات وعصام رجّي وجوزف عازار وغيرهم. ومن مصر أغنية لوردة عن المناضلة جميلة بوحيرد وعدة اغاني لشريفة فاضل وشادية. أما الشعراء الذين كتبوا الكلمات لألحانه فهناك اسعد السبعلي، واسعد سابا وتوفيق بركات وعبد الجليل وهبي وميشال طعمه ومارون كرم ونزار الحر وطلال حيدر والاخوين رحباني.

وهناك اغان هزلية كان يركب كلماتها بنفسه مثل “سنفرلو ع السنفريان” و”وين كنتي رايحة يا شرن برن” و”كشّو الدجاج” وغيرها. كما شارك في فيلم “بياع الخواتم” مع فيروز وكذلك في فيلم مصري “مرحبا أيها الحب” مع عبد السلام النابلسي. ولبث فيلمون وهبي يلحن ويلحن حتى قال غير مرة انه مستعد أن يلحن الجريدة. احبّ عائلته الصغيرة زوجته جانيت خوري وأولاده الأربعة عماد وسعيد وربيع وابنة اسمها ألحان فيلمون وهبي. أما شغفه الآخر فكان الصيد ولم يترك مناسبة إلا واقتنصها للصيد في لبنان وسوريا ومعها صيد الصداقات. أحبّ قريته كفرشيما وعاش فيها ومات فيها والتي أعطت الأسماء اللامعة في الأدب والفكر والفن. منحته مصر وسامًا عام 1963 وأوسمة من الجيش اللبناني عام 1963 و1965 و1966 ومنح أيضاً وسام الأرز 1970 وجائزة سعيد عقل 1975.

في السنوات الأخيرة من عمره أصيب بالإحباط جرّاء الحرب وتدهور الأوضاع في لبنان. أصيب بسرطان الحنجرة. وما عادت ضحكته تجلجل ولا صوته يدندن الألحان الرائعة ودخلت حديقته عالم الصوت وراح يصارع المرض تارة بحزن وتارة بألم حتى فاضت روحه في 5 تشرين الثاني عام 1985 عن 67 سنة ونهر من الألحان والحضور الجميل المحبّب والدور المحفوظ والابتسامة الصاعدة دوماً إلى الأغنية.

 

كرّمت بلدية كفرشيما الفنان فيلمون وهبي  بإزاحة الستار عن تمثال نصفي له للنحات روجيه سمعان وحُفِر عليه “غنّيتك صرت أحلى”. وفي المناسبة كلمات من الأب الدكتور بديع الحاج والمطربة ماري سليمان ورئيس بلدية كفرشيما والعائلة. وسبق للبلدية أن أطلقت اسمه على شارع أساسي في البلدة. 

فيلمون وهبي أحد فرسان الأغنية اللبنانية وأعمدتها. كانت ألحانه وأنغامه تتأرجح بين الطرب المكثّف في جمل لحنية عميقة وطرب شعبي رشيق، ألحان قريبة من الناس والفولكلور وروح الشعب وروح الشرق. بعد 35 سنة على غيابه يعود على صهوة الأغاني ليذكرنا بزمن الكبار الذين كتبوا كل في مجاله وعلى طريقته تاريخ آخر لهذا البلد.

تاريخ آخر لهذا البلد. لذلك كتبت له فيروز على غلاف CD “فيروز تغني فيليمون وهبي” عام 1993: “إللي تركتن اشتاقولك وكل إللي جايين رح يحبّوك”.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *