إشباعُ الرُّوح من الرُّوحِ

Views: 44

لميا أ. و. الدويهي

متزوِّجون ولكن غيرُ راضين… في علاقة ولكن غيرُ مُنسجمين… في حالةِ حُبٍّ ولكن هناك ما ينقُصُ… هما معًا والحُبُّ؟!… أصبح في عدادِ الواجبات…

أينَ الشُّعلة التي اتَّقدَت لحظةَ اللِّقاء؟… أين الهوى الذي حرَّك الوجد؟… أين الحماس والاندفاع اللذين حفَّزا تطوُّرَ الأمور إلى مراحل مُتقدِّمة في العلاقة؟… لمَ خَبَتِ الرَّغبة وتحوَّلَ الحُبُّ إلى عادة؟…

علمًا أنَّهُ ينبغي للحُبِّ أن يتحوَّل ولكن إلى مساحاتٍ ينمو فيها ويفيضُ من ذاتِهِ على كُلِّ مَن اتَّحدَ باسمِهِ بعُمقٍ ويَقين وأدركَ حقيقةَ اختيارِهِ وارتباطِهِ…

على الحُبِّ أن ينموَ باستمرار، أن يستندَ على قاعدة سليمة فيها كلُّ الرَّكائز التي تُشكِّلُهُ وتجعلُهُ مُكتملًا…

«حالهُ» تتشابهُ لدى الجميع، ولكنَّه يتميَزُ بفرادةٍ تخُصُّ كُلَّ ثُنائي على حدا…

عندما نُحبّ، أو بالأحرى عندما تتحرَّكُ العاطفة باتِّجاه أحدهم، يندفعُ الإنسان، بغضِّ النَّظر إذا ما كانت هذه العاطفة حقيقيَّة وقابلة للنموِّ بين اثنَين، قد يختاران لاحقًا أن يُصبحا واحدًا، أم لا…

عدَّة عوامل تتفاعلُ بينهما؛ قد يكونان شخصَين يعرفان كيف يتمتَّعان بوقتهما مع بعضهما البعض، أو يتشاركان نفس الهوايات، أو لديهما أمور عدَّة مُشتركة، علاقات، أصدقاء، أعمال… كُلُّها عوامل قد تجتمع لتُقرِّبَ بينهما، وقد تدفعهما لأن يعتقدا بأنَّها علامات تؤكِّدُ بأنَّهما يستطيعان أن يكونا معًا…

طبعًا هناك العديد من الأمثلة والاحتمالات والتَّجارب والمُقاربات…

البعض عند اكتشافهِ النَّقص قد يُقرّرُ مع شريكه العملَ على إنجاح علاقتهما وهذا النَّوعُ من «الحُبِّ» يكونُ مَسؤولًا، مُلتزمًا، قنوعًا… ربَّما قد تنقصُهُ صفاتٌ أخرى ولكنَّهُ قادرٌ على الاستمرار بإرادةٍ ثُنائيَّة وجبَ أن يكونَ قوامُها الاحترام، الحوار، الثِّقة، التَّواصل… هي صفاتٌ ومُقوِّمات ضروريَّة لكلِّ أصنافِ وأنواعِ الحُبِّ التي يجبُ أن تقومَ عليها مُطلق أي علاقة أو أي مؤسَّسة زوجيَّة، على أن تحويَ بعضًا من كُلّ: شغف، تواصل، تفاهم، صداقة، عشقٍ… ما يحلو لأيِّ زوجٍ التَّعبيرُ عنه واختبارُه والاتفاقُ عليه…

إلَّا أنَّ البعض يرتكزُ فقط على الشَّغف وهو قادرٌ أن يجرفَ إلى أماكن قد لا تُحمدُ عُقباها في ما بعد…

كُلُّ المشاعر الإيجابيَّة البعيدة عن عوامل الضغط والسَّيطرة والتحكُّم بالآخر ضروريَّة ومُهمَّة، ولكن، وبرأيي، أعتقدُ أنَّ الاختلاف يقعُ حينَ يعملُ الثُّنائي على إشباع رغباتٍ مُعيَّنة ضمن العلاقة، مُتناسين الأهم، ألا وهو إشباعُ الرُّوح من روحِ الآخر…

متى كانت هذه الرُّوح شقيقة روح أخرى، حتمًا ستتفاعلُ معها، تشعرُ بها، تتحسَّسُ عُمقَها، تُدركُ جوارِحَها، تستشعرُ خفقاتِها، تعرفُ كيف تلِجُ إلى مَقرِّ نبضاتِها، تعرفُها بـ«عُريها» الداخلي، أي كما هي بلا أقنعة ولا مُماحكة بدون تصنُّعٍ، على حقيقتِها، بشفافيَّتِها وجوهرِها…

هذا التَّواصلُ الرُّوحيّ قادرٌ أن يمنحَ طاقةً جبَّارة تدفعُ الثُّنائي نحو أبعادٍ مُختلفة تجعلهما قادرَين على أن يُحلِّقا على أجنحة الحُبِّ السَّماويَّة، وهي نعمةٌ، طوباهُ مَن استطاعَ أن يَحظى بها…

ووجودها لا يعني العيش بسلام وبدون مشاجرات واختلافات ومُشاحنات، وإنَّما يغدو هذا الوجود الوقود الأساسي للاستمرار وللمُضيِّ قُدُمًا للحفاظِ على شعلةِ هذا الحبّ والعمل على تطويره بالاتجاهات التي تُشبهُهُ والتي يكتملُ بها بالرَّغمِ من نواقصِنا كبشرٍ وأخطائنا وهفواتِنا…

إلَّا أنَّ اتِّحادَ روحَين، يجعلُ القدرة على التحمُّلِ أكبر وأوسع وأشمل وطعمُ اللقاء بعد كُلِّ خلاف… أعذب وأجمل، أكمل وأنضج…

قد يقولُ البعض: كيف نستطيعُ التأكُّد من أنَّ هذا الآخر هو شقيقٌ لروحنا؟… ببساطة مَن ليس بمُتصالحٍ مع نفسهِ ومَن لا يعرفُ كيف يُصغي إلى أعماقه، لن يستطيعَ مُطلقًا التقاطَ ذبذبات روح أخرى وبالتالي التعانق معها حتَّى الاتِّحاد المُطلق…

ليسَ أصعب من مُعاناةِ روحٍ تتوقُ إلى أخرى مُتوارية في أبعادٍ سطحيَّة…

ليس أقسى من ألمِ روحٍ تُناضِلُ للاتِّحادِ بأخرى وهي عالقة في مُستوياتٍ فقط بشريَّة…

إنَّ هذه الرُّوح، إن أحبَّت، حتَّى العمق اللامحدود، عاشَت في دَيجور وقد لن تكونَ يومًا قادرة على أن تتذوَّقَ طعمَ إشباعِ الرُّوح من رحيقِ روح الآخر حتَّى ولو كانت مُتَّحدة  معه بعلاقةٍ من أيِّ نوعٍ كانت…

(١٥/ ٦/ ٢٠٢٠)

(https://ausoma.org/)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *