كولوسيوم أو مدرّج روما

Views: 569

د. جان توما

هذه حجارة الدّم المهدور هنا تلبية لصراخ الناس هتافّا بالتصارع والقتال إلى حدّ الموت. هنا كانت تقوم المباريات التي لا تستقيم إلا بعرس الدم لتروي عطش المنادين بالبطولات.

حين تدخل إلى المدرجات تلسعك رائحة الخوف التي كانت هنا، وتضجّ أذنيك بالصراخ، وتنظر إلى حيث يجلس الامبراطور، وترقب اندفاع المتقاتلين أو البسطاء المرميين إلى أفواه الحيوانات المتوحشة في مشهد ما زال عالقًا في التاريخ ومكتوبًا بالأحمر.

هذه منطقة سياحيّة بامتياز بعد أن كانت ساحة الموت والجثث النتنة. تحاول أن لا تلمس الجدران الضخمة عند دخولك كي لا تشعر يدك بدم من مرّ من هنا، وكتب بالقاني صفحة موته أو استشهاده أو قتاله.

لا تعرف آلاف البسطاء الذين مرّوا في هذه الأروقة الداخلية الضيّقة الصامتة والناطقة بأنينهم وآهاتهم وحسراتهم قبل أن ترمى أجسادهم الطريّة أو أجساد المصارعين في حلبة دائرية مغلقة لا حلّ للخروج منها إلّا بالموت أو بالعبور إلى الحياة بجراح غير ملتئمة وبصور متعبة ومضنية.

الغريب في هذا المَعلَم أنّك لا تنظر إلى هندسته أو عمرانه، بل تنظر إلى الحجارة الحيّة التي كانت هنا ومضت في فرح الهاتفين، وانتفاض العروق، وبحّة الأصوات، ونفور العضلات ، أو في سكينة الأبرياء البسطاء.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *