عودك رنّان… إلى الرئيس نبيل صاري

Views: 712

د. جان توما

هاتفني الرئيس نبيل صاري، وقد طرب لعزف أنطون جرجي (١٩٠٧-١٩٦٩) عن بُعد، على الرغم من السنين التي مرّت، فكان لا بدّ لي من أن أخبر الرئيس القاضي نبيل عن “جان ديبو” (١٩٣٦-١٩٨٠) العازف الأعمى الأخير في مينائي.

كان يسكن خلف كنيسة مار جرجس في بيت عربي تتقدمه تلك المصطبة المفتوحة على المدى حيث يتنقل فيها “جان” بين تنكات الحبق وأنواع الزهر دون أن يتعثر.

الطريف أنّ “جان” كان يخرج يوميًّا من بيته إلى مطعم شمشوم القريب حيث يجتمع الصيادون والعمال والعاطلون عن العمل ليتناولوا الصحن اليومي، فيما يبدأ ” جان” بالعزف  فتشعر أنّ روّاد المطعم ” ركبوا عربيّات الوقف وهربوا بالنسيان “

لكن “جان” كان يذهب ، أحيانًا، إلى المطعم على دراجة هوائية، فقد كان يحفظ عدد الأمتار، وعدد بلاط الشارع، وعدد المنعطفات القليلة جدًا قبل أن يوقف دراجته على رصيف المطعم ويبدأ العزف.

حدث يومًا وهو يقود دراجته بهدوء، أن رجلًا لم ينتبه لمرور دراجة “جان” فاصطدم به خفيفًا، لأنّ “جان” كان هادىء القيادة ببطء. المهم أن “جان”صرخ بالرجل قائلا: “انظر أمامك. شو إنت أعمى ما بتشوف”.

كان صاحب نكتة وحضور محبب. يحفظ الخطوات كما تحفظ أنامله القفز غيبًا على أوتار العود ليحيا ويشعر بالحياة. هو من تراث هذه المدينة البحريًة وحافظ حكاياتها.

راح ” جان” وطحشت البنايات العالية على البيوت العتيقة وأسوار الياسمين وسبل الماء في الحارات.

عبر “جان” مع سلّمه الموسيقي إلى مفاتيح الوزن الشفّاف واللحن الجميل، ” يا دارة دوري فينا، ضلي دوري فينا، تا ينسو أساميهن، وننسى أسامينا” ..ولن ننسى.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *