كارول سابا في عرزاله

Views: 899

د. جان توما

 

نشر الصديق المحامي كارول سابا صورة لمكتبه في بيته، في باريس، حيث يعود إلى دراساته القانونيّة ومراجعاته الحقوقيّة.

ما لفتني ترجمته لشرقيته في عزّ غربيته، في أثاثه، وإيقوناته العابقة ببخور المشرق، وغبار عباءة أسقف الخيمة في العربيّة، وبلاد الشام وما بين النهرين.

يترجم موقع عمل كارول سابا في بيته الباريسيّ النّمط الروحيّ المعبّر وليس العابر، الحاضر وليس الغابر، القائم برباط السلام ما بين الأرض والسماء. فإن واجه الجدار لم يره إلّا إيقونسطاسًا ( حامل إيقونات) كخروج إلى قدس أقداس الكلم أو الجرح. هذا الجرح الذي يجعل العالم مترنحًا، وإنسانه مدوخًا بإنجازاته، لكنه إن عاين النور،  بالنور البهيّ، تصبح إيقونات الإيقونسطاس كوّات ضياء، وحوار وجوه حيّة، وتهجئة للكلمة الذي كان منذ البدء.

كلّ محبرة لا تعتمد بالماء الذي من فوق تبقى حبرًا أسود، فيما اليراع مدعو إلى إزاحة حجر الورق لينفجر نور البشارة في العالم.

تسود السكينة ويمتدّ الهدوء في هذا الركن، على الرغم من تراكم الكتب الورقية والمعلّمة الأيقونيّة. هنا يصير المكان كلّه خلاصة عمر ومسرى حياة. كلّ الأشياء الصغيرة لها مدلولاتها، وقليلا ما نتخلّص منها لأننا نُخلص لها، تذكّرنا بما صار لنحتاط مما سيصير.

كارول سابا في خدره منتطرًا. يعرف الآتيات البهيّات ولو كانت المواقف متشجنة ومتفرّقة. هو من المؤمنين أنّ الليالي، ولو قست رياحها، ستلفحها نسائم الصبح، وأنّ الكتابة في الغروب ترسم طلوع اليوم المتجدّد، لأنّ الغروب متفجّر بالبهاء، إذ لا غروب في الكتابة بل عمود نار…

كارول سابا في رفقة إيقونات يبخرّها الكاهن في صلاته كما يبخّر المصليّ الواقف أمامه، فالكلّ حاضر في ترانيم القلب، وهدأة النفس، كما في خروج الوالدين والأحبة من صورهم المعلّقة مؤاساة في لحظات أوجاعنا، أو عند حاجتنا إلى كتف أليف نتكىء عليه من وجع العمر.

عسى أن تلطف بنا قداسة من يبارك عرزالك يا كارول، ومحبرة أفكارك وريشة أحلامك.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *