وطن الحياة

Views: 511

د. جان توما

سيبقى باب كلّ بيت في بيروت، وفي مختلف المناطق، مفتوحًا هذه الليلة على أمل عودة ابن او ابنة او أب أو أم  انقطع الاتصال معه.

احتفل لبنان الليلة بعرس الدم الذي غزا بيروت وشوّه وجهها، وعطب كثيرين، وأخفى عديدين.

أتى تسونامي من الرصيف البحري ولكن بحديد ونار. حطّم كإعصار البحر النوافذ والقرميد. أحرق بعناصر انفجاره الأجساد الطريّة، وترك الشوارع ملأى بحجارة الأبنية وبالأجسام المثخنة بالجراح .

ظهر يوم الانفجار ناقشت في الجامعة اللبنانية، عمادة كلّية الآداب في الدكوانة رسالة ماستر حول رواية ” مشرحة بغداد” لبرهان شاوي، حيث تتحدّث الجثث في المشرحة عن قصصها وأفراحها ومآسيها. لم أك أدري أنّ مشرحة الورق ستصبح بعد الظهر واقعيّة، وتتحوّل المدينة إلى حارسة للموتى والجرحى والمعطوبين .

في الرواية تتحدّث الجثث بحريّة عن أحوالها وسِيَرِها، فيما يلزم الصمت الأحياء ليصبحوا هم الأموات، وليقوم الراقدون  أحياء بيننا.

كان صديقي الطبيب الشرعي كلّما دخل مشرحة  ليعاين جثة يلقي السلام عليها ، ويبدأ الحديث معها بصوت عال سائلًا كلّ جثة أسئلة مباشرة : من ضربك؟ ما هي الأداة التي استعملها المجرم؟ اليوم في شوارع بيروت طافت أسئلة تبحث عن أجوبة مفقودة فيما اختلطت الأجساد النابضة بالحياة بتلك النابضة بالقيامة.

لم يفهم المارّون ماذا حدث؟ كأنّهم ما تعبوا من مكائد شبح كورونا غير المرئي لتضجّ في آذانهم أصوات ضجيج مذهل،  ويقتحم عيونهم غبار مؤذ، وتنفر أمامهم فجأة دماء شرايينهم ودماء من يحبّون دون أن يدركوا ماذا حدث.

هكذا في ومضة عين تصير العاصمة/ العروس ” مشرحة بيروت”، وتفشل الدولة في احتواء تداعيات الكارثة، كما فشلت في تجفيف مصادرها منذ سنوات بذاك الاستهتار في التخزين كما يشرح المعنيون.

فجأة خرج اللهب من فمّ تنين العاصمة وأحرق الوطن وأوجع بنيه.

اللّهم رطّب حلق الملتهبين، برًد قلوب المحترقين، سكّن الحيارى بعودة المفقودين، اشفِ المجروحين،  أزح الحجر عن  لبنان فأنت نصير المساكين، وخير الحافظين، وأرحم الراحمين.

 

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *