المطرب ابراهيم حمودة (1913-1986)… الوحيد الذي غنّى مع كوكب الشرق وأسدلت الستارة
سليمان بختي
أسدل على اسمه ستارة التهميش والظلم. ولكن في البحث والارشيف والذاكرة يظهر كأحد أوائل مطربي السينما والإذاعة في مصر. وأحد أهم الأصوات العذبة في الثلاثينات والاربعينات. انه المطرب ابراهيم حمودة (1913-1986) الذي اختارته كوكب الشرق أم كلثوم ليقف أمامها في فيلم “عايده” (1942) وغنت معه لوحده بين كل المطربين أكثر من دويتو في الفيلم المذكور. وكان له أعمال غنائية ناجحة وبطولات سينمائية مع نجمات ومطربات السينما مثل ليلى مراد ونعيمه عاكف وشادية. وله مشوار مميز في عالم الفن بين الأضواء والظلال.
ولد ابراهيم حموده ابراهيم في حيّ باب الشعرية في القاهرة عام 1913. تربى في عائلة كبيرة مؤلفة من 16 شقيقاً وشقيقة. بداية تعلم الغناء عن طريق والده المنشد في جامع الخازندار. اظهر حباً وشغفاً للموسيقى والغناء وتعلم العزف على العود والكمان في معهد الموسيقى الشرقية في القاهرة. شارك في إحدى الحفلات الشعبية فلفت نظر المونولوجيست محمد البربري فعرض عليه العمل مع منيرة المهدية (سلطانة الطرب). قابلته وأعجبت بصوته وعرضت عليه العمل معها لكنه رفض متعللاً بسعيه لإكمال دراسته. عرضت عليه مبلغ 9 جنيهات في الشهر فأغراه المبلغ ووافق. أثار ذلك غضب والده فطرده من البيت ليستأجر شقة في شارع عماد الدين. واول عمل ظهر فيه مع منيرة المهدية كان “اسكتش الفلاحة”.
سطعت شهرته مع منيرة المهدية فاجتذبته إليها بديعة مصابني حيث أهم الاستعراضات وحيث الكبار مثل فريد الأطرش ومحمد فوزي وكارم محمود ومحمد عبد المطلب وفريد غصن ومحمود الشريف واسماعيل ياسين وتحية كاريوكا. وهناك انعقدت الصداقة مع فريد الأطرش وصارا يعملان معاً ويتبادلان العزف في عرض كل منهما. في صالة بديعة قدم أغنية “يللي عشقتك في الخيال” فشاعت ولفتت الانظار إلى صوت مهم وأداء متقن ومنسجم مع الايقاعات الشرقية والغربية. اختاره المخرج زكي طليمات لدور البطولة لمسرحية “شهرزاد” أمام رجاء عبده. وفي عام 1935 دعاه المخرج يوسف وهبي إلى أداء أغنية فيلم “الدفاع”. وعمل أيضاً مع فرقة علي الكسار وسجّل العديد من الاوبريتات والأغاني في الإذاعة المصرية مثل “أفراح سعيدة” و”حلم شاعر” و”بعث رمسيس”. ولكن الحدث الأبرز كان حين اختارته أم كلثوم لمشاركتها البطولة والغناء في أكثر من دويتو في فيلم “عايده” (1942). ولكن يقال إن ليس عذوبة صوته وحدها جعلت أم كلثوم تختاره بل لأنه كان رجلاً حيياً متواضعاً ولا يسعى إلى خطف الأضواء.
غنى مع أم كلثوم “فضلت اخبي” كما غنى معها دويتو آخر في نهاية الفيلم بعنوان “احنا وحدنا أنت وأنا”. كما كان مغنياً رئيسياً في محاورته لأم كلثوم والمجموعة في “اوبرا عايده” وفي دور رادوبيس وكانت الكلمات لأحمد رامي والألحان لمحمد القصبجي ورياض السنباطي. والحال انه عمل مع أهم ملحنين في زمانه مثل أحمد صدقي وبليغ حمدي ومحمد الموجي وغيرهم. وغنى مع ليلى مراد دويتو “راح تفوتني” و”الوقت بدري” واغنية “الوداع” في فيلم “شهداء الغرام” (1944) وشاركها بطولة فيلم “ليلى بنت الصحراء”، ومع حورية حسن “على ديار الاحبة” و”يا فرحتي بعد الخصام” ومع فيفي ماهر “ظلل يا ورد” ومع شافية أحمد “يا حلاوة الزين”.
شارك في بطولة عدة أفلام وغنّى مع كل مطربات جيله وكان قادراً على تأدية صنوف الغناء من القصيدة إلى الطقطوقة إلى الغناء المسرحي. وغنى أيضاً أعمال وأدوار سيد درويش وكذلك “ليت للبراق عين” لمحمد القصبجي قبل أن تشتهر في صوت اسمهان. وشارك في بطولة فيلم “نداء القلب” (1943) مع سميرة خلوصي و”ليلى البدوية” (1944) و”نور الدين والبحارة الثلاثة” (1944) مع إسماعيل ياسين وليلى فوزي. و”يسقط الحب” (1944) مع مديحة يسري وليلى فوزي و”حنان” (1944) مع فتحية أحمد وتحية كاريوكا. و”ليلة الجمعة” (1945) مع انور وجدي وتحية كاريوكا. و”الصبر طيب” (1945) مع تحية كاريوكا. و”الدنيا بخير” (1946) مع شكوكو وزينات صدقي. و”كلام الناس” (1949) مع شادية وعبد العزيز محمود. و”معروف الاسكافي” (1949) مع مديحة يسري، و”فتاة السيرك” (1951) مع نعيمه عاكف وعبد السلام النابلسي و”الحموات الفاتنات” (1951) مع كريمان وكمال الشناوي.
في بداية الخمسينات ومع ظهور الثورة بدأ نجمه يخفت واحتلّ المشهد أصوات جديدة ووجوه جديدة وحساسيات مختلفة وغالباً مرتبطة بأجواء ثورة 1952 وبدأ تراجعه تدريجياً مع انه غنى الأغاني الوطنية في المناسبات الوطنية مثل أعياد الثورة والعدوان الثلاثي وحرب اليمن وغيرها. كما قدم مجموعة من الأغاني الدينية مثل: “يا طالعين مكة” و”قصدت باب السماء” و”الهي اني ادعوك”. وشارك في مسلسل اذاعي عن “سيد درويش” وكان له ظهور محدود أخيراً في فيلم “العلمين” (1965) مع يوسف شعبان وصلاح قابيل.
في منتصف الستينات تعرض لاصابة بالغة في حادث سيارة على طريق الإسكندرية وتمّ الإشراف على علاجه بإيعاز من الرئيس جمال عبد الناصر. تدهورت احواله المادية والصحية والفنية فمنحه الرئيس السادات معاشاً استثنائياً مدى الحياة بلغ 100 جنيه شهرياً. ومنح كذلك جائزة الدولة التقديرية عام 1978.
اصيب في سنواته الأخيرة بمرض السرطان وتوفي في العام 1986. كان ابراهيم حمودة نموذجاً لفنان لم تتناسب موهبته مع شهرته. وطاله الظلم والغبن والتحولات فغاب قبل أن يغيب. عشر سنوات من الأضواء الساطعة وصل فيها إلى “كوكب الشرق” ثم أرخى الليل سدوله والظلال.