حضور الشّهادة فيك، توهُّجٌ دائمٌ!! 

Views: 1314

سليمان يوسف إِبراهيم 

ما أَصعبَها نواقيسُ الرَّحيلِ، في غيرِ مواعيدِها والمواقيتِ تُدَقُّ!! 

ما أَوجعَ أَن تُقصَفَ الورود في ريعانِ الرَّبيعِ وفي عزِّ مواسمِ الدَّفقِ عطاءً!! 

كم مؤلمٌ أن تتوارى طُيورُ الأَحلامِ، خلفَ حُجُبِ المَغيبِ؟!!

 أَمسموحٌ لسماءِ آبَ، أَن تفيضَ من عيونِ والدَيكَ “جُّو”،بمِلح الأَحزانِ وزَبدِ الأَسى أَنهارًا وبحارًا؟! 

كَم كافرٌ هو الإِهمالُ، متى وقعَ بذواتِ كبّار النُّفوسِ شجاعةً، فأَوقعَ بأَصحابِها تهشيمًا، وبكرامِ التَّضحيات ِكونًا، على مذبحِ وطنٍ، بُسطَ لكَ فقيدنا، من يدٍ ماجنَةٍ، على غفلةٍ من عينِ الزَّمنِ!!

 

كَم التقيتُكَ تلميذًا في رِحاب “مشمش الرَّسميّة” مدرستِكَ، وكَم قصَدتَنا مُتفقِّدًا ملاعبَ طفولتِكَ واليَفاعِ شابًّا؛ ترمي على معلميكَ السَّلامَ والتَّحيَّةِ وفاءً وعِرفانًا، أَيُّها الخلوقُ الخَلوق… أَهكذا ربِّي، تُوضَعُ خواتيم الأَشاوسِ الأبطالِ، بغفلةٍ من زمنٍ مُريبٍ ويدِ قدَرٍ جَفُولٍ؟!! 

تحيَّةُ الإِكبارِ لكَ شهيدًا، من مُرَبٍّ عاشَ معكَ وعايشَكَ لرَدحٍ من زمنِ الفُتوَّةِ؛ وكانَ يرى إِليكَ إِنسانًا مِعطاءً، مُحبًّا وغيريًّا… لكنِّي، لم أَكُنْ أَحسبُ أَنَّ العطاءَ نما في  شخصِكَ حتَّى الشَّهادةِ، على مَذبحِ الوطنِ، مُسقيًا أَرزة بلادِكَ نجيعًا طاهرًا!! 

أَطفأْتَ بجسدِكَ حرائقَ توقّدَتْ، وأَخمدتَ نبرانًا في مواقعَ مُتعدِّدَةٍ، منَعتَ عن أَهلِها وسُكَّانِها كُلَّ أَذىً… غيرَ أَنَّكَ يا حبيبنا المُغادر على عجلٍ، قد أَضرمْتَ نارَ فراقٍ لن يَخمُدَ لها لَهَبٌ ولا أَلسِنةُ سعيرٍ، ستضطرمُ في الصّدورِ ومطاوي ذاكرةٍ ما أَتى أَحدُهم على ذكراك، أو خطَرَ حضورُكَ بينَهُم في بالٍ!! 

مشمشُ الحبيبةُ، بِمَ عسايَ في عرسِ سماكِ وداعًا  لعريسٍ من خيرةِ شُبَّانِكِ أُخاطبُكِ؟ وأَنتِ، تفتحين ذراعَيكَ لتحضني ابنَكِ حضنةِ الأُمِّ الحنونِ وضمَّتِها الرؤومِ لشهيدٍ، عريسُ التَّضحياتِ هو، شهدَ على وطنيته كونٌ بأَسره؟!! “جُّو نون”، إبنُكِ الّذي أَحبَّكِ بملءِ قلبِه، فكرهِ وعزِّ ربيعاتِ عُمرِه اليانعِ طموحًا ما اكتمل، باندفاعٍ  صادقٍ، جعلَهُ يدفعُ ديَّةَ وطنيته غاليةً باهظةً!! 

 

أَيُّها الشّهيدُ الحبيب؛ 

في خواتيم سنواتٍ توالَت، كنتُ أَقفُ فرِحًا بَهِجًا بِما كنتَ تحقِّقُ من نتائجكَ المدرسيّة نجاحًا وتفوُّقًا مُشرِّفًا.

في قربانتِكَ الأُولى وقفتُ بفرحةِ قلبٍ حقيقيَّةٍ، مُشاركًا، وأنتَ واحدٌ من بينِ أَترابِكَ والرِّفاق، يومَ كنتُم وكنتَ محورَ أوّلِ فرحةٍ تدخلون عن طريقها، المُجتمعَ الإنسانيَّ الواسعَ!! 

ومع توالي الزَّمنِ سنيًّا، كنتُ أُمنِّي النَّفسَ، أن أُباركَ لكَ ولأَهلِكَ، في حفلِ زفافِكَ عريسًا، إِن دُعيتُ، وكنتُ لا أَزالُ مُربِّيًا، فردًا من أَفرادِ الهيئة التَّعليميَّة في مدرسة مشمش الرَّسميّة، بلدتِكَ الحبيبة. 

غيرَ أَنَّني قسمًا بربِّ العالمينَ، لم أَكُن أَحسَبُ البتَّةَ ولم تراودْني قَطُ، فكرةَ أن أَقفَ بِكَ مودِّعًا؛بدلًا من أن تشيِّعني أَنا راحلًا، بوفاءِ التِّلميذِ لمعلِّمه احترامًا. كَم موجعٌ أَيُّها البطلُ، أن أَاُمَّ مشمشَ الحبيبةَ، حيثُ بيتيَ الثَّاني، مُعزِّيًا مُؤَاسيًا أَهلكَ وناسَها!! 

آهِ يا غالٍ، كَم بكَّرتَ السَّيرَعلى دربِ الإِيابِ، فصُعِقَ لغيابكَ وطنٌ بأَسرِه! 

 

كم مُوجِعُ مٌؤلمٌ، أَن يقِفَ مُعلِّمٌ في وداعِ تلميذِهِ، مُشيِّعًا ربيعَ الأَماني وجيشَ الآمالِ المُتهاويةِ، وهو الذي كان يرقبُها مزهوًّا في تفاصيل سيرة البطل الآفلِ نجمُ حضورِه!!

وداعًا من قلبِ مُعَلِّمِكَ المَفطورِ حزنًا،وعينيه الطّافحتين دمَ دمعٍ على فراقِكَ “جّو طنوس نون” شهيدًا، تمَجَدتِ الشّهادةُ بسقوطِكَ سُمُوًّا،أَنتَ الرَّاحلُ سِراعًا، من غيرِ أَن تَخسرَ على مراتعِ عُمرِكَ والّذين أَحبّوكَ كلمةَ “بخاطركن”، وإن على عَجَلٍ…!!! 

وأَنتُما يا والدَيَّ الشَّهيدِ،طنوس وزينة، 

وأَنتُما يا أَخوَيَّ الشَّهيدِ، وليم ونانسي، 

بمَ عسايَ في يوم وداعِ الحبيب أُخاطبُكُم؟ 

كنوزُ الكَونِ با غوالي، لا تُعوِّضُ ما بُليتم به من خسارةٍ وأَليمِ المَصابِ، بفقدِ الغالي الحبيب. حسبُنا،ومعكُم نحن، عزَّةً،  أنَّ حبيبَنا “جُّو”، بسقوطِهِ شهيدَ الواجبِ على أَرضِ الوطنِ؛ قد كرَّسَ بيتَهُ مَعبدَ شهادَةٍ، ورسمَ أَهلَه ُ كهنةً خدَّامًا، لعَظمةِ  الذِّكرى وجلالِ وَقعِها، في قلوبِ ونفوسِ مُحبِّيه وأَهلِ بلدتِهِ. 

وداعًا “جًّو”، وقد عِشتَ بيننا قلبًا بطهارة الطُّفولةِ ينبضُ، وساعِدًا بعزمِ الرِّجالِ الرِّجالِ يسعى!

تحيَّتي لكَ يا بطلًا عشتَ للمسيحِ وأُمِّه خادمًا مُخلصًا،سيفتحانِ لكَ قلبيهما ويوسعان لكَ مجلسًا ومُقامًا، حيثُ ستكون لمحبيكَ وناسكَ شفيعًا مُحبًّا. 

 (عنَّايا، في 10/ 8/ 2020)

 

      

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *