بيروت 2020 و2750 طنًا من الياسمين

Views: 703

سليمان بختي  

هذه بيروت. مدينة ولدت فيها ونشأت وتعلمت وعملت وحلمت. ومشيت فوق ترابها مع جدي و أبي و ابني وأمني النفس أن أمشي فيها مع أحفادي وأموت فيها . 

هي مدينة الأفق والأمل إذا سكنتها مرة سكنتك إلى الأبد . و إذا غبت عنها أو تأخرت قليلاً تركت لك  الباب  مفتوحاً للعود الأبدي. اليوم ، ينام معنا السؤال كيف ننقذ بيروت . كيف ؟ و نحن لا نعيش بل ننجو  . و بيروت لا تعتم تعطيك من روحها وتوسع لك  مطرحاً فكيف ترد . في الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 افتدى صنوبر بيروت أرز لبنان . وفي انفجار بيروت عام 2020 افتدى أهل بيروت المدينة بأرواحهم . كم صعبة ومعبرة صورة الأم التي ولدت الطفل في غرفة مدمرة في مستشفى مدمر. هكذا تولد الحكاية. يولد الأمل . تولد بيروت . 

صورة القتلى والجرحى و المفقودين. صورة الذهول واللا أمان.

 كم صعبة و مؤثرة صورة اليمامة الميتة النائمة على أوتوستراد المرفأ، وكان لها حصة من فنجان قهوتنا كل صباح في البلد . 

وبيروت لا ترمى بوردة و ليس بـ 2750 طنًا من المواد  المتفجرة وعنابر الزيت وهي التي اعتادت أن تغدق أطنان الياسمين وينتشر العبير في ضفاف المتوسط . ولم يبق من وهم المدن المشرقية المتوسطية المهمة (الاسكندرية، إزمير ، بيروت) سواها ولم تلبث تقاتل ببسالة لأجل النور. تحرقها نار القربى ، ونار الصراع العربي الإسرائيلي ، ونار صراعات المنطقة والقوى الصاعدة والقوى النازلة ، ولا تستسلم. وما أحرقت ألف حرب  هويتها بل بلورتها وحققتها. 

تنهض في كل مرة  لتشهد  للحداثة والحرية وقبول الآخر المختلف وقيمة الإنسان وكرامته وتعزيز سبل التلاقي بين الجميع . مدينة المواطن والمقيم و العابر . مدينة أنت تملكها وتكون فيها ما تريد من  الزهو والانكسار وتساعدك على إنجاز مشروعك وعلى الحلم ، وشغف الحياة .

كتب الشاعر محمود درويش غير مرة : أدهشتني بيروت حين لم أستطع الحصول على تذكرة لحضور فيلم  لبيرغمان في بعد ظهر يوم عادي. وشرح العلاقة مع بيروت :”نادراً ما تحتاج إلى التأكيد من أنك في بيروت لأنك موجود فيها بلا دليل  وهي موجودة فيك بلا برهان” . 

بيروت حنونة على المهاجرين وكانوا يهبطون من القرى للهجرة من مرفئها ومعهم الاهل يودعون فلذاتهم . و كانوا يحملون معهم درفات المرايا في خزائنهم وكلما أبحرت السفينة صعدوا إلى تلال المرفأ لكي تنعكس الشمس في المرايا باتجاه عيونهم. هكذا تبقى شمس بلادهم في عيونهم، ويعودون.”يا بحر هدي الموج فيك حبابنا”. هكذا يروي  فؤاد  سليمان قصة الذين هاجروا من مرفأ بيروت بداية القرن الماضي. 

” لماذا تطير بيروت بأجنحة قاتلة ؟”هل ثمة من يرسم مصير آخر لها ؟ كيف يعود الزمن  الذي تحبه بيروت؟ تقول الأغنية الفيروزية : “ارجعي يا بيروت بترجع الأيام” . 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *