جشع “مرضي” أو عودة إلى حياة البراري؟ “المدنية” في ميزان “الروح”

Views: 15

أنطوان يزبك

من العلل الكبرى دوام الطمع… الزهد بالدنيا أعظم عبادة وأعلى درجة في الإيمان والتقوى.

يقول غاندي: “يجب أن يعيش الأغنياء ببساطة أكثر حتى يستطيع الفقراء أن يعيشوا”.

الجشع والأنانية والارتماء في سباق شيطاني للفوز بمتاع الدنيا وابتلاع خيراتها… آفات كبرى ظهرت منذ تكوين الإنسان،  وأمراض نفسية لم يلتفت إليها علم النفس رغم ازديادها بوتيرة تصاعدية…

غاندي

 

يقول سقراط: “يعيش التافه ليأكل ويشرب أما الفاضل فيأكل ويشرب ليعيش”. لم تقتصر المعضلة على القوت، بل تعدتها إلى طمع مرضي يأكل الأخضر واليابس، وهوس التملك والسيطرة  على خيرات الدنيا كأنها حق حصري، وعلى مال الغير من دون احتساب أو رأفة بالآخر…

اليوم،  يبتلع الطمع كل شيء، من حبّة الحنطة إلى حبّة الدواء، وتحوّل الإنسان إلى كائن، يصعب أن نطلق عليه صفة الوحش، لأن وحوش الأدغال والبراري لديها رأفة وحكمة واكتفاء تفوق بأضعاف حكمة الإنسان.

ربّ سائل: ما العمل؟ هل ثمة فرصة لتقويم الإعوجاج والتحرّر من قبضة الشرّ اللامتناهي؟

العبادة والتأمل والعودة إلى الذات والزهد… مفاتيح تجاوز حسابات المادة مصدر الآلام والتعاسة والدموع…

سقراط

 

من أعجب قصص الطمع ما حصل لسيّدة دبّرت عمليّة قتل زوجها لأنه أراد بيع المنزل ليوفي ديونه، ويشاء القدر أن يقترف ابنها جريمة نكراء ويحكم عليه بالإعدام، فقصدها أحد المخادعين وأوهمها بقدرته على إنقاذ ابنها لقاء مبلغ من المال فاضطرت مكرهة لبيع المنزل، استولى النصاب على المبلغ وتوارى وأعدم الابن القاتل. بلمح البصر وجدت تلك السيدة نفسها من دون زوج وابن وشريدة لا سقف يأويها. (https://cityoflightpublishing.com)

وحدهما العقل والإدارك  يقودان إلى التخلي عن البرج العاجي والتبجح والفوقيّة واعتزال الشهوات والزهد… لا يعني كل ذلك ترك المدن والمدنية والعيش في البراري والمغاور، بل العودة إلى جوهر الأديان السماوية منبع كل جواب وكل علاج…

يقول سي أس لويس: “أطلب السماء وستربح الأرض أيضًا معها، أطلب الأرض فلن تحصل على أي منهما، لا السماء ولا الأرض”.

بعض من هذه التوجهات تلجم الطمع والاعتداء على حقوق الآخر، حتى لا ينتهي الأمر بإفناء بعضهم البعض. 

سي أس لويس

 

يقول الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: ” خير الناس من زهدت نفسه، وقلت رغبته، وماتت شهوته، وخلص إيمانه، وصدق إيقانه”.

التراجع عن الشهوات بطريقة تدريجية يبدأ بالأمور التي لا أهمية لها وصولا إلى المثالب والأطماع الكبرى وصولا إلى حياة قدسيّة زاهدة، بهذه الطريقة يعمّ السلام وتزول السلبيات المدمّرة القاتلة.

يقول القديس بولس الرسول إلى أهل كولوسي (2:3): اهتموا بما فوق لا بما على الأرض. 

يجب البدء بالنظر إلى فوق، وإشاحة النظر عن ثراء الأرض وملذاتها، فلا أحد دامت ثروته على الأرض، ولا أحد استطاع تبديل مصيره بحسب رغبته أو بمشيئة بشرية!!

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *