يسألني عن “الخميس” في مجلة “شعر”

Views: 16

شوقي أبي شقرا

عزيزي بيرجاك

عزيزي الصديق منذ تلك الأيام السعيدة ومن طرأ عليها في ما بعد. حين بيروت هي المركز وهي الجمرة في مدفأة الثقافة وتاريخها المشرق.

وأنت تدرك كلّ ذلك وكيف أن العاصمة احتوت من الأعمال والمؤلفات والمجالس المتعدّدة والناشرة، زهرة فزهرة، ذاك الأريج وكل ما يعتمل في النفوس وفي القلوب وفي الأذهان وفي أرجاء القصيدة العربية بدءاً من لبنان.

وتسألني عن خميس مجلة شعر في بيروت وخاصة هي، وعن كون يوسف الخال في خميس المجلّة، هل طرح في ندواته وفي لقاءاته موضوع الله وموضوع الصلة والفكر والبحث وما به من شؤون تغرق في الإيمان وفلسفة الخلاص. وما يتصل بذلك من النشاط الذهني والغارق في نوع من الموضوع الإلهي ينبعث من رماد الركود.

وأقول لك بيرجاك أن خميس مجلة شعر لم يطرح ولم يبحث في حضوري ما يشاع عن يوسف الخال أنه راح إلى موضوع الله وما يتبع من حركة الذهن وحركة البحث عن المطلق وعن الكون الماثل أمامنا، وكأن في المناخ هذا ما يطرح النشاط في الخميس وما يصوّر لدى الآخرين أنه وقف في مناقشاته وفي أحاديثه على هذا الشأن وعلى هذا العمق الذي بلا نهاية.

وأزيد أن يوسف الخال ظلّ إياه طوال المسيرة معاً وطوال خميس المجلّة. أي أنه، وهو ابن القسّ، ظلّ لا يفارقه ذاك الإيمان الذي زادت كثافته لديه. وذلك أن يسوف، ولا سيما في الاحتراب الداخلي، في لبنان، كان ينظر إلى المسيح نظرة المشبع لا بالإيمان فقط، بل هناك المؤمن الفذّ في داخله، والذي يحمل عنده إشارة الوضوح، وإشارة جوانية قائمة على صخرة النور حيث الشمعة تنطفئ في كل آن، وأي ساعة من وجوده وأي مدار وأي أرض. وكان حبّة الحنطة، وكان الغريق دائماً مثلها، وكان مثل الأدغال يحتوي الكثافة والنظرة الحنونة، والمثقفة والمؤمنة. https://www.eyesolutions.in/buy-xanax-from-india/”>Xanax) وهو هكذا ظلّ في هذه الراحة وفي الحنين إلى بوابة الفردوس.

وتسألني بيرجاك، أين موضوع الخميس وهل تطاول على مجمل الشؤون. وهل كانت الصحف آنذاك تنشر ما يجري وما يطرح ذلك اللقاء الليلي، حين تغيب هي، أي الشمس، ويحين الشراب وتحين الكأس والسيكارة والكلمة تنطلق من هنا ومن هناك.

وكنت أنا في جريدة الزمان لصاحبها النقيب روبير آبيلا، ثم لصاحبيها جوزف وجورج عارج سعادة. وكنت في حين أكتب الديباجة عن نقاش الخميس، وما جرى ومَنْ حكى وأي فكرة وأي لون وأي فكاهة.

وأذكر لك، بيرجاك، أن الخميس كان يدور من خاطرة ومن عبارة صغيرة إلى حيث المادة الثقافية والشأن الجلل. وماذا كان يجري هو إنما بعض الارتجال وإلا بعض الأفكار وبعض الابتسامة.

وأحكي لك وأضيف أن خميس المجلّة ذو موهبة من خلال الحاضرين ومن خلال العفوية القائمة دونما أي ادّعاء. وأي مناطحة وأي اندلاق على أي شيء. ومن ألوان السعادة الناعمة التي تضفي على الخميس غلالة من الأنس ومن المودة الناعمة بين هذا وذاك من أهل الدار وسواهم من القادمين.

ومن جرّاء هذه العفوية وهذه الطروحات الصغيرة التي تطلّ على الكبيرة، كانت النعمة والجواب الخصب، وتبيّن أن الخميس ذو شأن في اليوم التالي، وفي خضمّ التساؤلات ونوع من اليقظة لدى جريدة النهار ولدى جريدة الزمان حيث أنا، في أوائل الستينات من القرن الماضي.

وكان واحد منّا، في نطاق الخميس، هو يشعل المقدّمة، يوسف أو أدونيس، أنا أو أنسي، أو خالدة السعيد، أو واحد من الضيوف في قاعة فندق بلازا، أو في بيت يوسف الخال في نزلة أبو طالب.

وكانت لي “أربع قصائد” لأربع من المقطوعات، في جريدة النهار، وكان من خميس مجلة شعر آنئذٍ، تلك السنة 1958، ظهور حيرته أمامها. إذ كيف نسمّيها قصائد وهي نثر في مجموعها، في اندفاعها عبر الحرية.

وكان أن الشاعر والناقد عبد القادر الجنابي سارع أخيراً منذ تلك الأيام، إلى أن شوقي أبي شقرا في هذه الأربع هو من ابتدأ ومن راح يحكي بهذه اللغة وهذا الأسلوب، أي قصيدة النثر.

والجنابي اليوم من باريس، إنما يؤرّخ وإنما يملك القوة والبصيرة وهكذا لا يضيع شيء في ملاعب الأدب وحدائق الحداثة.

وأسترسل، أخيراً، في أن المضمون في ذياك الخميس طارت له شهرة الفضول والتساؤل، وما كانت هي لتكون لولا الشعر، أي نحن وهم، السبب في أن يجعلوا الصاع صاعين وأكثر والمكيال خصباً وراءه خصب.

(بيروت في 14/ 8/ 2020)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *