سجلوا عندكم

مسجد تحت الأرض

Views: 111

ماجد الدرويش

 وأنا أتابع خبر إعادة فتح مسجد جامع (كاريه) في منطقة الفاتح – اسطانبول ، بعد 75 عاما من تحويله إلى متحف سنة 1945، لفت نظري اسم (جامع تحت الأرض YERALTI CAMII) فبدأت بالبحث عنه في محرك البحث غوغل، حتى وقفت على مقالة عنه نشرتها وكالة ترك برس.

 وأثناء قراءتها وجدت فيها أخبارا غير صحيحة على الإطلاق، علما أن المسلمين الأتراك يعتبرونها مسلمات، وهذا بيان الأمر:

تقول الوكالة عن الجامع: «يقع مسجد “تحت الأرض” في مدخل خليج القرن الذهبي المتفرع من مضيق البوسفور في إسطنبول، ويقال إن البيزنطيين كانوا يغلقون هذا المكان بسلاسل ضخمة لمنع السفن الغريبة من العبور، كونه يعتبر ممرا مائيا كان يحيط بالقسطنطينية لحمايتها، حيث كان التحكم في عبور السفن يتم من خلال هذا المكان الذي تحول لاحقا إلى مسجد، ليصبح واحدا من أغرب المساجد التركية التاريخية في إسطنبول، يقع المسجد على عمق عدة أمتار تحت الأرض، ولذا يسمى مسجد (تحت الأرض)».

ويضيف المقال: «كان هذا البناء في الماضي يطل مباشرة على البحر، وكانت السلاسل تربط في الأعمدة المقابلة لباب المسجد تماما، وهو بناء بيزنطي لا علاقة له بالطراز المعماري للمساجد العثمانية الموجودة حاليا في تركيا، ويرفعه عدد كبير من الأعمدة الضخمة بحيث يصل عددها إلى أكثر من 50 عامودا . واستخدم هذا المكان عبر التاريخ، كمركز لمراقبة السفن ومخرن للمواد الغذائية ثم مخزن للأسلحة، كما استخدم فترة طويلة كسجن بيزنطي». (https://pawnandjewelry.com/)

إلى هنا الكلام تاريخي منطقي سليم، ثم تتابع المقالة السرد فتذكر أمورا لا تستقيم مع الحقائق التاريخية، فتقول:

«ويقال إن الصحابي (وهب بن حُشَيْرَةَ) والتابعي (سفيان بن عُيَيْنَة) اللذين كانا في الجيش الأموي الذي حاول فتح القسطنطينية أُسِرا وماتا ودفنا هنا، وأغلق قبرهما بالرصاص المصبوب، وكما تقول الرواية: إنه في العهد العثماني رأى عدد من العلماء رؤيا في المنام حول هذا المكان الذي كان مهملا، فقرر السلطان الحفر فيه فعثر على قبر الصحابي والتابعي فقرر السلطان تحويل المكان إلى مسجد».

وتضيف: «ويأتي العديد من الأتراك من مناطق مختلفة في تركيا لزيارة هذا المسجد للعبادة والصلاة ومشاهدة قبر الصحابي والتابعي». انتهت المقالة.

 

مغالطات تاريخية عجيبة:

وما ذكر هنا من وجود قبر للصحابي (وهب بن حشيرة)، والتابعي (سفيان بن عيينة) هو أمر غير صحيح لا عقلا ولا تاريخا، بل ومستحيل، حيث إنه لا يوجد صحابي يحمل هذا الإسم (وهب بن حشيرة) ولا يوجد ذكر لرجل بهذا الاسم في كل دواوين الرجال التي بذلت وقتا في مراجعتها للتأكد من اسم هذا الصحابي المزعوم.

هذا من ناحية.

ومن ناحية أُخرى فإن (سفيان بن عُيَيْنَةَ) الإمام، رحمه الله تعالى، ليس بتابعي، إذ التابعي الذي لقي أحدا من الصحابة مؤمنا بالله تعالى ورسوله ومات على ذلك.. و(ابن عيينة)، مع إمامته، وفضله، وتقدمه على كثير من أقرانه وشيوخه، إلا أنه لم يلق أحدا من الصحابة، فهو ولد سنة (107 هـ)، وتوفي سنة (198هـ)، ودُفن في منطقة الحُجون في ضواحي مكة المكرمة.

أما الزعم أنه كان في الجيش الأموي الذي حاصر القسطنطينية أيضا هذا من سابع المستحيلات، ذلك أن حصار الأمويين للقسطنطينة كان مرتين:

– الأولى زمن أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه بين سنتي (53 – 60 هـ) ، وأثناء هذا الحصار استشهد الصحابي الجليل أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه، ودفن حيث قبره الآن في المنطقة المعروفة بسلطان أيوب، ولقب السلطان يطلقه الأتراك على الصحابي الجليل تعظيما له. وهذا من عظيم أدبهم وحبهم للصحابة.

– والمرة الثانية كانت زمن الخليفة سليمان بن عبد الملك، حيث حاصر أخوه مسلمة بن عبد الملك القسطنطينية بين عامي (98 – 100 هـ) وكان حصارا شديدا ضيق فيه الخناق بشكل كبير على أهل القسطنطينية، لكن موت الخليفة سنة 99، وطلب عمر بن عبد العزيز، بعد تسلمه الخلافة، من الجيش الرجوع إلى بلاد الشام، حال دون تحقيق الفتح، غير أن مسلمة لم ينسحب حتى اشترط على البيزنطيين بناء مسجد ورتب له إماما وخطيبا ومؤذنا، وهو المعروف اليوم بمسجد العرب خلف البرج التاريخي المشهور.

وفي كلا المرتين لم يكن (سفيان بن عيينة) قد ولد بعد، فمن أين كان في الجيش؟ وكيف أسر ومات هناك؟ ومن هذا الذي زُعِمَ أنه صحابي؟

كلها أسئلة مشروعة حول معلومات مغلوظة لا حظ لها من الصحة…

وعليه ينبغي على الباحثين في التاريخ التركي أن يجتهدوا في معرفة حقيقة هذه القبور، ولعلهم يجدون في الأرشيف العثماني بعض الإجابات بعيدا عن (المنامات) التي لا يمكن أن تكون مستندا تاريخيا في حال من الأحوال.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *