وشم مأساة

Views: 692

منى جوخدار

غداً… بعد أن ينفضَ المصابون عنهم الغبار

ستسألهم جراحهم عن السبب والمسبِّبْ… ستسألهم ندوبُهم إذا كان بإمكانِها الرّحيلَ، أم ستبقى ملّتصقة بوجوهِهم أو حيث وجِدَت… بأجسادهم ستسأل العينُ عن شقيقتها ولماذا رحلتْ !!..فكانتا تضحكان معاً وتندهشان معا وتدمعان معاً… فأين توأمها ولما هجرتها…

 وبعد صحوةِ ذاكَ الفاقدَ وعْيَهُ وتفْقُّدِهِ لجسدهِ، سيجد أنه فقد رجلَهُ أو يده ،وربما أذنَهُ أو أي عضوٍ بَترَه ذاك الأنفجار الشّيطاني… وسيصرخُ ذاك الطّفلُ، بأن يده المبتورة تَحْكَّهُ وهي ليست موجودة فماذا يفعل!!!…

سيفتقد ذاك العجوز منزلاً، حوى ذكرياتٍ لا يمحُوها زمنٌ، وسيصرخُ أين منزلي كيف دَمَرّتُم ذكرياتي؟…

كيف أضفتُم إليها أقسى ما يمكن أن يَطْغى عليها!!؟

أحلامُ تلك العروسين الجديدين، اللّذين بدأا بوضع أول طوبة لهما، حَمَلَها غبارُ ذاكَ الإنفجار إلى اللّامكان!! صرخَ أحدَهُم بأن قضى حياتَه في جني رزقِه ليبني مؤسسةً تعِيلَهُ مع عائلتِه ولتكُنْ إرثاً لهم يعتاشون من خيراتها من بعده!!… وأيضا حملها غبارُ الإنفجار إلى اللّامكان!!!

غداً… عندما تصحو تلك الملاكُ الجميل من غيبوبةٍ لازمَتها من غير سبب، سوى ذاك الانفجار المصنوع بإيادٍ خبيثةٍ، وتسأل عن والديها عن جدَّيها… وتصرخ أينكم يا أهلي؟… ليس من مجيبٍ سوى صدى البيت الفارغِ من حيطانه وابوابه وشبابيكه، أي ألم غرزتموه في قلبها؟

وذاك الطفل، يود الذّهابَ الى مدرسته… ولكن أين من كانوا يمسكون بيده، ويساعدونه كي يصعَدَ الباص وهو المُقْعَدُ والعاجزُ، وما زال يصرخ، أريد ماما أريد بابا وليس من مجيب!!.

وحرقةُ أمًّ وأبٍ وزوجةٍ، حين أتاهم دوي الإنفجار، ليُنبِأَهُم بأنَّ مُعيلَهم أصبحَ على هيئةِ شابٍ بطلٍ لكن دون حياةٍ وروحْ…

أي مأساةٍ ستخْتَلجُ قلوبَ الّلبنانيينَ على مدى قرونٍ!!! مساماتُ وجوهنا وَشَمَها الحزنُ مدى الحياة…

كل صرخة تدوي الآن في رأسي، في كياني ووجداني…

وأود أن أبدّلَها بابتسامةٍ، وأخفّفَ آلامَ كل مصابٍ، وهي لا تُعْد ولا تُحصى…

أنا لم أرَهُم سوى على شاشاتِ التلفزة ولكنني أشعر بهم وأتحسس معاناتهم… هل يا ترى يدرك المسؤولون معنى مآسي وآلام الناس بعد أن تحكّموا برقابهم وبمصائرهم وأطبقوا أيدِيَهم على الخناق؟ أم أنّهم يشمئِزون منهم رغم بشاعة صنيعهم؟.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *