“إغتيال الحبيبة بيروت”

Views: 560

فريال فيّاض

هي سيدة البحر، أنثى العواصم ودرة الشرق، هي بيروت أم الشرائع والسنن، التاريخ والحاضر. هي مدينة الحب والفن والجمال، لم تكن بيروت نافذة للبحر وحسب، بل كانت ساحة للحريات بمختلف ألوانها. 

ذات مساء كانت بيروت تحضِّر فنجان قهوتها لتستريح من عناء يوم طويل، جلست على شرفة البحر كعادتها، وفجأة دوى إنفجار هائل في مرفأ شاطئها الجميل، فصم آذانها وملأ أزقتها بالزجاج و الأحجار المتطايرة…

 حدّقت في مرآتها فإذا بها غبراء من أثر الركام وشعثاء من غبار الإنفجار الكارثي، فلملمت أشلاء أحبابها وقامت من بين الرماد كطائر الفينيق معيدة الأمل والحياة إلى نفوس أهلها وناسها. 

على هول الكارثة، تداعى الكثير من الجمعيات، المؤسسات، الأفراد وحتى الدول للوقوف إلى جانب “ست الدنيا”، وقام فنانون تشكيليون بمبادرة جميلة من تنظيم الفنانة التشكيلية جمانة أبو مطر لتوثيق هذه الفاجعة بإقامة معرض تشكيلي إلكتروني شارك فيه العديد من الفنانين اللبنانيين والعرب من تسع دول عربية. 

بالحديث مع الكاتبة والفنانة أبو مطر عن المعرض ولوحتها، قالت: “معرض من قلبي سلام لبيروت هو صرخة وجع ومحبة لبيروت الثكلى. كانت الصدمة موجعة والكارثة لا توصف، رسمنا من وجع القلوب النازفة ونحن نؤمن أن سيدة المدائن ستنهض من تحت الرماد وستتلألأ كعادتها بقوة وانتصار. رسمت لوحتي فكانت ألواني تتفجر من الأعماق ودمعتي تجرح الأجفان، وكانت ريشتي تلوِّن وجعي بحناء القلب، لأبحر بها إلى أعماق المأساة وأنا على يقين أن بيروت ستتعافى وستضمنا إلى صدرها بكل الحب النابع من أعماقها منذ التاريخ”. 

ومن الفنانين المشاركين في هذا المعرض الفنان نبيل سعد، المعروف بتوثيقه المشاهد والصور لبيروت القديمة، الذي قال: “أتت فاجعة إنفجار المرفأ لتبدو وكأنها طوت صفحة من زمان بيروت في خلال جزء من الثانية… لكنني لم أستطع قلب هذه الصفحة أو تجاهلها كعادتي في بعض الأحداث التي لا أحب أن ألحظها في لوحاتي، فكانت لوحة “لحظة من زمن”، التي رسمتها وبكيت بيروت، ليأتي شاعر، يعرفني ويعرف ما تعني بيروت بالنسبة إلي، ويضيف إلى لوحتي نفحة شاعرية عبر تسميتها “إغتيال الحبيبة”.

بدوره الفنان التشكيلي ومسؤول الأنشطة في منتدى كل الألوان ياسر الديراني، الذي شارك في هذا المعرض الإلكتروني، كان له رأي حول مشاركته: “تأثر الفنان بأي حدث عبر اللون هو نقل المشهد بطريقة تعبيرية. وهذا الحدث الكبير جعلني أرسم لاشعورياً متأثراً، بحجمه وضخامته، فوُلِدت لوحتي من هذا الحدث وهذه المشاعر المختلطة بالغبار والحرائق. من الناحية التقنية استخدمت في رسم لوحتي السكين والرمل ومواد أخرى لإبراز معالمها بشكل مكثف…”. 

كما تحدث الفنان المبدع  برنار رنو حول مشاركته في هذا المعرض قائلا:” الإنفجار الذي حدث في المرفأ، هو إنفجار قلب العاصمة بيروت. وبما أن الفنان -بشكل عام- هو كتلة من المشاعر والأحاسيس، كما أنه إبن بيئته ويتأثر بأي حدث يتعلّق بها، لذلك فإنه يعبّر عن تأثره بأعمال يبرز من خلالها الجمال والسلام، والصورة الجميلة عن بلده.

وأضاف الفنّان رنو: الإنفجار الذي حصل أثر بشكل مباشر على “محترف آثار الشرق” الخاص بي، كونه قريبا جدا من المرفأ. وقد خسرت العديد من أعمالي ولوحاتي والمنحوتات، جرّاء الإنفجار. ولكننا كما اعتدنا في لبنان أن ننهض من بين الركام لإعادة بناء ما تهدم بشكل أفضل، شاركت بالمعرض  في أصعب الظروف  وفاء لعاصمتنا الحبيبة. شكرا للزميلة جمانة أبو مطر لتنظيمها هذا المعرض وشكرا لكل الزملاء الذين شاركوا، على أمل أن يكون هذا الحدث خاتمة أحزان الجميع”. 

كعادتها  هذه المعارض الفنية تفسح المجال أمام الفنان للتفاعل مع الحدث و لتوثيق اللحظات التاريخية.

 

 

 

 

 

 

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *