رحيل الفارس

Views: 628

د. جوزاف ياغي الجميل

أديب من بلادي، سيد القلم. في صوته رعشة الشمم.

نورس السطور، شعلة العطور، إن جاد عمر في القمم.

إنه الأديب بديع أبو جودة. ومن لا يعرف البديع، في بيدر البيان؟

نفتقدك اليوم إذ تغيب. وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر. بالله قولوا لي كيف يختزل العمر كله في إنسان؟

يا راية الهمم، أرز لبنان يناديك، وأقلام السنديان.

والحبر يتيما يناديك، يشتاق أعناق البيلسان.

في مقلة الفجر دموع، بل دماء، وبركان أحزان.

كم عشقنا النسيم يرنو في خافقيك.

كم أرقنا للنعيم يغفو على هدهدات مرفقيك.

وسالت في حروف ألحبر والحب رسالات.

وما عجبت حين سمعت الخبر الآتي، من عمق أعماق اللقاءات.

كان متوقعا أن يزلزل الهرم بعد الزلزال. كيف لا ينفجر القلب، ويفيض قهرا على جمال بيروت وقد زال؟

لمن يصيح الديك ، بعدك، يا بديع؟

لمن تغرد سنابل الحقول؟

أيها النبيّ الأبيّ، غصتَ في ملخص الأديان لتؤكد أن الدين عند الله واحد.

ربطت بين سلوكيات الإسلام والحداثة لتنفي عن دين طه التعصب والتقوقع، أو سفك الدماء.

كانت لك البيئة بجمالاتها عنوان اللقاء مع رب السماء.

وحين قررت الرحيل، أضاءت لك الشهب السبيل، وصافحت المساء.

أيها الفارس الحرّ، ترجل. ففي لقاء المنتهى حلم مؤجّل، وخمر لقاء.

أحببتَ بيروتك حتى الشهادة، وكنتَ دليل الشهداء.

في جمالات حرفك قبس من ألم، وجرح ليس يعروه شفاء.

رحلت، أيها البديع، يرافقك الربيع، وأعياد الفقراء.

دربك لكل قلب درب الحب والسلام.

سلام لك في عليائك، أيها الغالي، أيها الحاضر في قلوبنا، وعقولنا، لك منا الحب أطنانا، لا أغالي، وألحان الوفاء.

بديع أبو جودة، شجرة من بلادي. والأشجار لا تموت إلا واقفة. تناثرت أوراقك، قبل الخريف. وفي كل ورقة عطر ياسمين يضوع، يحرر أوراق الزمن.

أيها الفارس الحامل هموم القلم، والبيئة، والإنسان، أخشى ما أخشاه أن تجف مقلة السماء، كما جفّت مآقي عارفيك. وأكاد أسمعك تقول لنا: لبنان وصيتي الأولى والأخيرة. بيئته أمانة في أعناقكم جميعا، فلا تفرّطوا بها، كي لا تتحول قطعة السماء إلى فردوس مفقود.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *