الصداقة جوهرًا إنسانيًا

Views: 886

وفيق غريزي

الصداقة فرع من فروع شجرة المحبة وهي مثل المحبة تعطي من ذاتها، وقديما كانت الصداقة تحافظ على جوهرها بين الناس عامة وبين المبدعين خاصة، وتحت ظلالها الوارفة عقدت علاقات حميمة بين الشعراء (كولريدج – ورد وورث) في بريطانيا، (جبران -نعيمة) لبنان، وبين الادباء والمفكرين والرسامين. والتاريخ حافل بمثل هذه العلاقات السامية، ولهذا قيل من الاقوال الماثورة : صديقك من صدقك وليس من صدقك؛ اما في عصرنا الراهن، عصر المدنية المادية فقد فقدت الصداقة جوهرها، ومضمونها، وطغت عليها المصلحة الفردية. ولهذا فلا بريق لهذه الصداقة، ولا معنى، بل هي وقتية تزول بزوال المصلحة.

 وفي لقاء مع صديقي الابدي الشاعر والمفكر الراحل روبير غانم تناولنا موضوع الصداقة، فقال روبير: لنكن يا صديقي صرحاء منذ البداية، ان ما افهمه بكلمة صداقة بوجه عام يعني لي مشروع قصيدة رؤيوية لا يعادلها سوى نقاء نابت في مداين البال والمستقبل، هذا بعامة اما عن الصداقة بخاصة، وبين الادباء بنوع أخص، فانها تتراءى لي، انها تشكل جسورا من العافية والنزاهة، تتنزه فوقها نوايا نبيلة تعادل مضامين شعرية في كلمات لم تولد بعد، اما تحديدا فهل هناك صداقة فعلية وفاعلة بين الشعراء والادباء؟ هذا ما اجيب عنه بنعم ولا، كما بين الناس بشكل عام.

 لقد نشأت على تتالي الازمنة صداقات ادبية شهيرة، في التاريخ اضفت على نتاج المبدعين الذين مارسوها نكهة مميزة تخطت مفهوم الصداقة الرواسبي – التقليدي المجموع الى نوع من الخفايا الابداعية الملهمة، وهذا الشيء بانعكاسه يضفي على الابداع بشكل عام التالقطالع من مسافات الصداقة، كما الصداقة الادبية كما مورست شرقا وغربا والامثلة على ذلك نذكر منها: الصداقة التي نشأت بين الشاعرين فولين -رامبو حتى لو انتهت بشكل مأسوي اخيرا، وبين جان كوكتو – بيكاسو وبين احمد شوقي – وتلميذه محمد عبد الوهاب، وليس اخرا بين العلامة عبدالله العلايلي وميخائيل نعيمة ايضا. 

هذه امثلة ذكرتها لأثبت انه ليس من الاعجاز ايجاد صداقة ما بين المبدعين كما في حالات كثيرة، هنالك شبه اعجاز، ولكن لنكن صرحاء كما ذكرنا بداية لايجاد مثل تلك الصداقة الوهّاجة النابتة من اقاليم الذات المحفورة في خفايا الذاكرة ازهارا من الشر والخير حسبما يتجه القدر بها وتتجه هي به بالذات ولنا في المتنبي الدليل الشاهد لاكثر دلالة على ذلك، حيث بقي رغم صداقاته المتشاسعة غريبا بين اهل قومه وداره واقربهم اليه سيف الدولة.

 وختم روبير غانم قوله: اختم متمثلا زمننا الحاضر في ذهن، معلنا اولا، وعلى الصعيد الشخصي ان لي صداقات مدهشة بين مبدعين في المجالات كافة، واخره الصداقة بيني وبينك، أما كيف ارى هذه الصداقات بوجه عام، او في هذا الزمن بالذات؟، فهناك المح صداقات معينة، بل بهية بين كثير من المبدعين، كما هناك افتعال لما نسميه نفورا ان لم نقل، عداوة، تقتضيه المصلحة الادبية بالذات، وهذا ما انفر منه، لانه يسقط الصداقة، وهي بحد ذاتها قيمة ابداعية الى مستوى التعامل الاجتماعي او السياسي الرخيص. 

 

نهاية اعطني صديقا شفيفا – رهيفا. وخذ مني قصايد متشاسعة بلون البال وازمنة السديم والمستقبل…

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *