لغّة الجماعة

Views: 408

يوسف طراد

  أصبح للفايسبوك لغّته، لغّة مشتركة عالمية (لايك، كومنت… إلخ)، سمحت بظهور قصة من جهودٍ عديدة، بفكرة مشروع غسّان حاصباني، وصياغة متَّقنة من ميشال أبي راشد، جعلتنا في حيرة وسؤال، هل أن كوكبة من الكتًّاب الافتراضيين تستطيع أن تؤلّف رواية؟ لذلك يسكن الشغف القارىء، عند النظر للغلاف ليعرف سرَّ القصة في رواية (شو القصة؟) الصادرة عن دار سائر المشرق.

  نقش الكاتب الفلسفي ميشال أبو راشد قطع (البازل)، التي ألّفت هذه اللوحة القصصية البديعة، بأزاميل ناشطين على الفايسبوك، قصة ضَمَّنَها نفحة فلسفية منعشة كنسيمٍ شرقيٍّ على بيادر الحصاد. خلال القراءة تطالعك مقاطع كـ(اكتفت بالتنهّد عميقًا علَّها تلج مغاور السكون القابعة في عتمة جوف الذات، حيث نخبىء ما نريد نسيانه)، فتشعر بفلسفةٍ محبّبة للنفس، عهدناها في كتابات أبي راشد صائغ المشروع، فيكتنفك غموض الإيضاح، ليس بسبب عدم الإدراك أو فهم كلام مفهوم، إنما من مصدرِ فلسفةٍ قابعة بين السطور تنتظر عيونًا وعقولًا، هل هي وليدة فكر الكاتب أم ترجمة أفكار الكتَّاب المشتركين التي صاغها الصائغ ميشال جواهرَا زينت أحداثًا ونفحت روحًا في حب عذريِّ وأزهرت مشاعرًا صادقة لا تستكين؟.

  قصة جماعية عبر (فايسبوك)، جمالها ببساطة سردها المُشبع بالرغبات الجامحة للكتابة وعرض المبادىء المتناقضة والذات عبر الجوالات. مشروع مكتمل بجهود مؤسّسة ميّ شدياق ومؤسّسة صوت، وفايسبوكيين كثر ظهر للعلن في إطار رواية، بإدارة تقنية من السيدة آية صوفيا خير الله.

  غسّان حاصباني، فكرته للمشروع أتت لمعة في ظلام الشرق ونجح مشروع القصة. فالكُّتاب من جميع المآكل والمشارب عملوا على رواية وليس على مشروعٍ سياسي، والآن بعد أن أصبح وزيرًا، هل يستطيع أن يُطلق فكرة مشروع وطن أفلاطوني، يشترك فيه القراء والكُّتاب والمفكّرين من غير السياسيين، يكون المساهمين فيه من العامة والمنفعة للمجتمع ليستحق كما عاهدناه سابقًا الأعالي والمعالي؟!!!

  كلغة الموسيقى الموحَّدة في جميع أنحاء الكرة الأرضية، تضرب بنشازها حينًا، وتُطرِب برقيها أحيانًا، ويتفجّر صخبها في لغة أجسادٍ مختلطًة مع روح الخمرة، هكذا اللغة الفايسبوكية نشاز في السباب والتراشق السياسي والاجتماعي الخالي من الرقيّ، أو طرب لمنشورات أدبية أو سياسية راقية، يتفجّر صخبها في تعليقات وردود عبر حوار هادف، ينتج هداية كما أنتج هذه السابقة القصصية عبر الفضاء، التي لم تخدش الأثير، بل كسرت كبرياء السراب المزركش بالأوهام. قصة بقيت إلى الأبد نبراسًا للعمل الجماعي المتَّقن لإرتقاء المجتمع إلى دروب العقل والرعشة المقدسة النابعة من الحوار والحس الوطني.

  رواية كشفت بصدق هشاشة المجتمع وجامعاته وانتماء طلّابها لأحزاب وتيارات متصارعة في العلن، ومتّفقة في الخفاء، بغفلة عن النسيج الطلّابي الممزّق بفعل قناع التجاذبات السياسة الظاهر، الذي يخفي اتّفاقًا اقتسم بنوده الدم كجنود دراكولا.

 بالمقارنة مع الثورات الطلّابية في ستينات القرن المنصرم، فقد كانت كلمة الطلّاب في تلك الفترة موحّدة، وثورتهم تخيف جميع الجالسين على كراسي المجد الدنيوي، وتَحَرُكَهم يولّد ارتجاجات في عروق الاستبداد الإقطاعي السياسي والمالي، وما زال صدى هذه الارتجاجات تصلنا نتفًا إلى هذا الحين.

  لأنه حيثما اجتمع إثنان أو ثلاثة باِسمي فهناك أكون في وسطهم (مت 18-20) فكيف إذا اجتمعت مجموعة كاملة من أفراد ومؤسّسات، واضعين نصب أعينهم الخير للكلمة، النشر للثقافة، الكمال للمجتمع، والازدهار للوطن، فبمعونة الرب أثمر مشروعهم رواية متقنة (شو القصة؟) من نبض لا يهادن الأعماق.

الأربعاء 7 آب 2019

***

(*)    Mon liban

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *