نزار دندش… إنسانه مرآة الكون

Views: 845

أمل ناصر

ويحملنا من جديد على أجنحةِ الزمن التي تبدو مطواعة له ، ونحن من عشّاق السفر، فيصطحبنا الدكتور نزار دندش هذه المرّة ، وعلى متن كتابه الجديد “الإنسان مرآة الكون” الصادر حديثاً عن دار الخيّال، في رحلة علمية تجوب أرجاء الكون وتعود بنا الى الكائن المميز الذي أسموه الإنسان.

يستعين الدكتور دندش بما اختزن من معلومات علمية وما يتحلى به من رؤية علمية فلسفية فيبحث عن أشكال التفاعل بين الانسان والكون المحيط به ويسعى الى إظهار اوجه التشابه بين الإنسان ككائن مميز يجتمعُ فيه كمٌّ من الطاقة على أنواعها والقدرات التي لم يُكتشف منها الا الجزء اليسير، وبين الكون المحيط به بدءًا بالمحيط الحيوي الذي يحضنه وانتهاءً بموجودات الفلك التي تؤثر فيه، فنراه يلاحظ تأثير التناوب المنتظم لليل والنهار ودورات الأرض حول نفسها وحول الشمس وحول مراكز لم تُحدّد بعد، على تصرفاته ونظرته الى الزمان والمكان. ولا شكّ في أن البُنية الفلسفية لعقل الإنسان قد اختلفت في مرحلة ما بعد اكتشاف كروية الأرض عما سبقها من مراحل في التاريخ.

ويتحدث المؤلف في كتابه عن تشابه بين النبض في قلب الانسان ونبض الكون بأكمله، وبين حياة النجم الذي يولد وينمو ويموت وحياة كل فردٍ بمفرده. هو يرى تشابهًا بين عملية تبديل أوراق الأشجار التي تتساقط في فصل الخريف وتتجدد في فصل الربيع وبين عملية موت ملايين الخلايا في جسم الإنسان وولادة خلايا جديدة . ويرى تشابهًا بين عمليات المدّ والجزر في موجات البحروبين عمليتي الشهيق والزفير في رئتي الانسان.

ويرى ان الانتظام في الطبيعة يقابله انتظام في جسم الانسان السليم والفوضى تقابلها الفوضى.

ويرى التشابه بين نظام الطبيعة التي لا تعرف السكون وبين جسم الانسان الذي يبقى حيًّا طالما بقي في حركة دائمة.

ويستعين المؤلف بفروع العلم المختلفة ليؤكّد ان الكثير من خواص الانسان تشكّل انعكاسًا لخواصٍّ كونية في الأرض وفي السماء .

ويستعين المؤلف بالفيزياء ليقول: إن الجمادَ ليس أبكمًا ، فله لغةٌ هي الإشعاعات التي يصدرها، ونحن نفهمه بواسطة هذه الإشعاعات، حتى عندما يكون بعيداً عنا مئات السنوات الضوئية.

الإنسان ابن بيئته ومعظم الذرات التي تدخل في تشكيل بنيته مصدرها هذه البيئة، حيث يذكّرنا الكاتب بأن قرابة التسع وتسعين بالماية من اجسام الكائنات الحية مُشَكّلةٌ من العناصر الأكثر شيوعاً في الماء والهواء والتربة.

والإنسان ابن هذا الكون فالعناصر الكيميائية التي تشكّل نِسَباً عالية في جسمه تشكل نسباً عالية في المواد الطيارة في المذنبات وفي المواد الجليدية المنتشرة بين النجوم .

أما الحيوانات والنباتات فهي شريكة في حضارة الانسان كما يقول المؤلف. وقد كان للحيوانات دور توجيهي مميز في تاريخ الانسان، فهي من علّمَ الإنسان الأول الصيد وهي من علّمه حماية نفسه من خطر الحيوانات المفترسة.

ويحلّق المؤلف بأفكاره الى ما بعد المعلومات المُثبتة علمياً فيعلّق على فكرة وجود الحقول البيولوجية والطاقة الايجابية ومصادرها المحتملة، ويطرح اعتمادًا على تجاربه الخاصة فرضياتٍ قد تتحول اذا ما برهن صحتها العلم الى نظريات تُفسّر عمليات اكتشاف المياه الجوفية والمعادن يدويًا بواسطة القضبان.

هذا الكتاب ليس مجموعة معلومات، كما يقول المؤلف، بل هو تحليل لمعلومات مكتشفة في فروع العلم المختلفة وربطها بعضها ببعض وصياغة استنتاجات جديدة أطلقها على مسؤليته الخاصة.

وقد جاء في الصفحة الثامنة من الكتاب ما حرفيته: “الإنسان جزء مهم من هذا العالم. قد لايكون عظيمًا بالمقدار الذي يحاول المبالغون الصاقه به، لكنه ليس حبة غبار في هذا الكون كما يحاول المستهترون ان يصفوه. فيه الكثير من صفات الكون وفيه تعقيدات ما زال العلم عاجزاً عن فهمها، ويمتلك طاقات كبيرة ما زال يجهلها ويستعيض عن معرفتها ببعض ما روته الاساطير”.

هناك حقائق لا بد من معرفتها كي نمارس حياتنا بنجاح ونفهم موقعنا في هذا الكون الفسيح؛ فالإنسان “وحدةٌ من وحدات هذا الكون وصورة مصغّرة عنه” يشبهه من حيث التركيب الكيميائي ويشبهه من حيث التصرفات. إنه جزء مهم من هذا العالم ، وهو مليء بالحقول الطاقوية والبيولوجية وبحقول لم تُكتشف بعد .

ولكي تتناسب انسانيته مع الزمن الذي يعيش فيه لا بد للإنسان من ان يغنيها بالإضافات . فمن الضروري إعادة قراءة ذاته من حينٍ الى حين، وقراءة الكون المحيط به قراءة لا تكتفي بما تراه الحواس الخمس، اي لا بد من الخروج الى ما يسميها المؤلف “الكونية”. والشخص الذي لا يقرأ الكون الا بحواسه المعروفة باتَ يُصنّف، حسب المؤلف، في خانة الأمّيين.

مبارك دكتور نزار دندش مولودك الجديد والى مزيد من الإنتاج والإبداع لإثراء الساحة الفكرية في لبنان والعالم العربي.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *